الدنيا سجن أهل الإيمان
أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمدًا يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فنسأل الله ﷿ أن يجعل جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل بيننا شقيًا ولا محرومًا، وأن يفك برحمته كرب المكروبين، وأن يقضي دين المدينين، وأن يشرح كل صدر ضيق، وأن يفرج هم كل مهموم، وأن يذهب كرب كل مكروب، وأن يتوب على كل ضال، ويهدي كل عاص، ويتولانا وإياكم برحمته، وأن يغفر لنا ويرحمنا.
كما نسأله ﷿ أن يلحقنا بالصالحين، وأن يجعلنا للمتقين إمامًا، وأن يجعل هذه الجلسات خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان فيها حظًا أو نصيبًا، ونسأله أن يبعد عن أبنائنا وبناتنا وذرياتنا شياطين الإنس والجن، وأن يكرمنا بكرمه؛ إنه أكرم الأكرمين.
كما نسأله ﷿ أن يعاملنا بما هو أهله، وألا يعاملنا بما نحن أهله، إنه أهل التقوى وأهل المغفرة، وأن يغفر لنا وأن يسترنا في الدنيا والآخرة، وإذا سترنا في الدنيا فلا يفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة، آمين آمين.
إن الإنسان في هذا الزمن قد لا يسلك الطريق السوي الصحيح إلا إذا جلس مع أهل الصلاح وأهل التقوى، فاللهم اجعلنا من أهل الصلاح والتقوى، وأذهب غيظ قلوبنا، واشف صدور قوم مؤمنين، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا.
وإن الدنيا ليست دار تكريم، فربنا ما جاء بنا إليها من أجل أن يكرمنا، بل الدنيا دار ابتلاء، فهي -كما روي في الحديث الصحيح-: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).
فالمؤمن مسجون في الدنيا يشعر أن عليه قيودًا شتى تمنعه عن صنع أشياء معينة، فلا يستطيع أن يشفي غيظه بما يغضب الله ﷿، كمؤمن تشتمه امرأته، أو تتطاول عليه، فهو يستطيع أن يرد اللطمة لطمتين، وأن يرد الصاع صاعين، وأن يدس لها السم في الطعام، أو أن يذبحها بسكين، ولكنه لا يستطيع أن يشفي غيظه بإغضاب الله ﷿، بل يصبر على الأذى، وهي -كذلك- تصبر على الأذى، وفي هذا ثواب عظيم عند الله.
فالمهم ألا نشكو لكل صغير وكبير، وألا نشكو لكل من هب ودب، وألا تصير حياتنا عبارة عن شكوى دائمة، فالذي يشكو دائمًا إنما يشكو الذي يرحم إلى الذي لا يرحم، فلتكن شكوانا كلها لله رب العالمين، كما قال تعالى عن يعقوب ﵇: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف:٨٦].
فالدنيا دار ابتلاء، وليست دار تكريم؛ لأنها قنطرة ومعبر، وليست بدار إقامة.
فالمرء في الدنيا يعيش سبعين أو ثمانين أو مائة سنة ولا ينعم، فالدنيا ليست بدار نعيم، ولذلك لما أعطى الله فرعون كل شيء نسي الله رب العالمين، فأعطاه الصحة والجاه والمال والملك، فاستخف قومه فأطاعوه، ومكثوا سنوات طويلة يبنون له قبره الذي يسمى بالهرم، ومع ذلك ما شكر الله ﷿.
فالإنسان منا قد يتمرد على نعم الله، ويذكر النعمة وينسى المنعم، وهذا سبب شقائنا في الحياة، أي أننا نذكر النعمة وننسى المنعم سبحانه.
والله تعالى يجعل العبد الطيب أو الصالح كثير الابتلاءات، من أجل أن يرتبط بربه ﷾ دائمًا، فيرفع يديه إلى السماء وقلبه متوجه إلى السماء وجوارحه كلها متجهة إلى الله رب العالمين تدعو الله أن يخفف من وطأة البلاء، وأن يغفر الذنب، وأن ييسر الأمر، وأن يهب برحمته فضلًا كبيرًا.
3 / 2