Commentaire sur les Aphorismes d'Hippocrate
شرح فصول أبقراط
Genres
شرح فصول أبقراط لعبد اللطيف البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
قصدنا النظر في كتاب الفصول لأبقراط (2) وإثبات شرحه بحسب ما تأدى إلينا ووسعته قوتنا، وانتهت إليه طاقتنا، واقتضاه الوقت الحاضر واحتملته همم أهل زماننا إذ (3) كان هذا الكتاب أشرف الكتب التي تحضرنا لأبقراط، وأجمعها لكليات صناعة الطب العملية وأهمها عند المبتدئ * والناظر (4) في شيء (5) والشادي والنطاسي (6) وأوجبها أن يكون حاضرا لذكر الطبيب الماهر؛ فإن من زاول المرضى ولم يكن ما * في هذا الكتاب عتيدا (7) عند نفسه وحاضرا لذهنه لم يسغ (8) أن يوثق بقضائه (9)، ولا أن يستكان (10) إلى علمه وعمله (11) وكان خطأوه أضعاف صوابه. وهذا الكتاب لم نجد أحدا من المتأخرين تطاول * إلى شرحه إلا على جهة (12) الحواشي والتعاليق، ولكن وصل إلينا عن المتقدمين له شرحان: أحدهما: لجالينوس، بنقل حنين بن اسحاق، وهو المشهور، وعليه اعتمدنا وحذوه احتذينا. والآخر: لبعض اليونانيين (13)، رديء النقل، سيء العبارة وفي (14) جانب عن فصاحة جالينوس وحنين (15). لكن يتبين من حكاية جالينوس ومجادلاته أن هذا الكتاب قد كان له شروح كثيرة انتهت إليه دوننا، ولو كنا لم نعد في كتابنا هذا أقوال جالينوس في شرحه لسميناه اختصارا لكتابه، لكننا (16) زدنا ونقصنا، وقدمنا وأخرنا، وزيفنا من أقواله ما رأيناه يستحق التزييف، وأبدلنا موضعه ما رأيناه يليق به. ومن جملة ما أسقطناه (17) تصريفه ونحوه الذي يستعمله على ما كان تقتضيه لغة (18) PageVW3P002A اليونانيين إذ كان لا جدوى له اليوم عندنا في لغتنا، وأثبتنا نحن من النحو (19) والتصريف في الأمكنة اللائقة به، المفتقرة إليه ما يعين على الفهم ويرشد إلى المعنى. ومن درس كتب القدماء تبين له أنهم كانوا شديدي العناية بالنحو والمنطق وكان ذلك شائعا بينهم، والأديب عندهم هو الذي قد ارتاض بصناعة المنطق؛ ولذلك تجدهم يصدرون PageVW0P002A بقوانينه كتبهم ويستعملونها في تضاعيفها ويصرفونه في جل مخاطباتهم، كما قد كان المتكلمون المتقدمون (20) بالزمان في ملة الإسلام متضلعين من علوم اللسان، أعني النحو واللغة والتصريف والشعر؛ ولذلك تجد (21) كتبهم ومخاطباتهم مشحونة به، فلما جاء المتأخرون جاهلين بذلك، ثقل عليهم سماعه واستهجنوا استعماله ، وهزؤوا (22) من مستعمليه (23) ونسبوه إلى الوقوف مع القشور وسلوا أنفسهم بأنهم الواصلون إلى اللب، الحاصلون على الحقائق. وهذا جالينوس يحض على اقتباس هذين العلمين ويثني عليهما ويستقصر من يقصر فيهما، ثم تراه يستعملهما في جميع كتبه أوجلها، وكذلك أمثاله ممن تقدمه، ومع ذلك فإنه يظهر منه تخليط في بعض مواضع استعمال PageVW1P002A المنطق عند حجاجة الخصوم وتثبيته آراءه. ولما كان المتشاغلون بصناعة الطب في زماننا هذا أكثرهم (24) ليس من أهل اللسان، ولا آخذا (25) نفسه به، وكان غرضهم معيشة الدنيا وتحصيل الخبز، ثقل (26) عليهم النظر في الإعراب وتصحيح الألفاظ، ولم يبالوا بما فاتهم من المعاني لسبب جهلهم بالألفاظ، بل (27) قد (28) أهملوا جل أجزاء الصناعة الذاتية، ولاسيما أصولها العلمية، كل ذلك مبادرة إلى المكتسب، وحرصا على نيل الغاية التي نصبوها لأنفسهم غرضا من غير أن تكون (29) غاية للصناعة بالذات؛ وكل طالب علم أو صناعة جعل غايته منها غير المعرفة فقد جعل غايته غير ما أعدت له، فكان إلى الحيدودة عنها أقرب؛ لأن الصواب PageVW3P002B -بحسب تحصيل الغاية- معلومة (30) لأنها لطالب العلم كالغرض للرامي، فمتى لم يكن محصلا عند بصره لم يتسدد رميه ولم يكد يصيب نبله ولم يفز (31) بالحذق سهمه. ولما كان القدماء هذا أسلوبهم في تعليمهم وتعلمهم (32) انتهجناه ولم نبال بهؤلاء الخبرية (33)، رضوا * أو سخطوا، ذموا أو مدحوا (34)، فالحق أحق أن يتبع، والباطل أحجى أن يجتنب وسبيل الحكماء (35) أولى بأن ينتهج. وقبل الشروع في شرح الكتاب ينبغي أن ننظر في الرؤوس الثمانية التي جرت عادة المتأخرين من الشراح أن يفتتحوا بها شروحهم، وهي: الفحص عن غرض الكتاب، ما هو؟ وعن نحو التعليم المستعمل فيه، وعن نسبته، ومنفعة (36) ما فيه، ومرتبته، وأقسامه، ومعنى عنوانه، واسم واضعه. وفي تعجيل العلم بهذه (37) الرؤوس منافع، منها: أن يطلع المتعلم على جمل أحوال الكتاب بأسرها، فيقدم على التعلم (38) على (39) بصيرة، ويدري (40) مقدار الزمان والفراغ والتعب التي PageVW0P002B يحتاج إليها في قطع الكتاب فيعدها أو ينتظر وقت تهيؤها؛ فإن من شرع في قطع مسافة لا يدري مقدارها وغايتها ومشاقها وعوائقها والقوة عليها والعدة لها، كان حري أن يطلح (41) دون غايتها. ومنها أن النفس طلعت (42) في كل ما (43) تطلبه (44) وتشتاقه على هذه المعاني الثمانية (45). ومنها أن المتعلم إذا وقف على هذه المعاني قبل الكتاب، سلك في تحصيله مطمئن النفس، قرير العين، سالكا على الجدد (46)، يعرف مسالكه (47) ومسافاتها، فلو سقط من الكتاب شيء طلبه، أو أغفله (48) وجهله بحث عنه وتطلب (49)فهمه. ومن منافع هذه الرؤوس أن يمتحن بها من يدعي معرفة الكتاب، فإن جهلها كان بالكتاب أجهل (50)، ولاسيما أقسامه. واعلم أن الأربعة الأول من هذه الثمانية (51) هي مبادئ الوقوف على ما في الكتاب بأكمل وجوه (52)، ومتى أخذت هذه على غير جهتها أو عرفت معرفة ناقصة، عادت (53) المعرفة بجميع ما في الكتاب مختلة (54) أو ناقصة، وورد كثير من الشكوك المحيرة. PageVW1P002B وإذا علم الغرض على ما ينبغي سهل PageVW3P003A الوقوف على المنفعة والمرتبة والنسبة بأهون سعي، فلذلك قدم النظر في الغرض إذ كان أهم الباقية، ولاسيما إذا اتفق أن كان اسم تلك الصناعة يقال على معنيين فصاعدا، بالاشتراك أو بالتشكيك، وعلى جهة التقديم والتأخير، وكان مقصود الواضع معنى خاصا وذهب ذهن السامع والمتعلم إلى معنى آخر، أو لم يتقرر له المعنى المقصود والغرض الذي نحاه المصنف؛ فإذا اختلطت الأغراض والمعاني وظنها واحدا أو ظن بأحدها (55) أنه الآخر، وكان يلزم عن بعضها ما لا يلزم عن الآخر أو ما يلزم ضده عن الآخر، وقع له شكوك وأغاليط يعسر عليه حلها أو التقصي (56) عنها ومعرفة الصواب منها كالهندسة التي تقال (57) على الهندسة العلمية والعملية جميعا بالاشتراك، والموسيقى تقال (58) على العلمية والعملية أيضا؛ وكذلك صناعة الطب تقال (59) بالاشتراك على ثلاثة معان: على (60) العلمية، وعلى العملية، وعلى الصناعة (61) الفاعلة؛ وأن (62) هذه الثلاثة هي أجزاء صناعة واحدة، فالجزء الأول العلمي، يسمى النظري، هو شبيه بالأصول والمبادئ والتوطئات، وجميعه يشتمل (63) على قوانين كلية ليس من شأنها أن تعمل (64) أو (65) تؤخذ (66) لا (67) من جهة ما يعمل. وهذا الجزء هو في تخوم العلم الطبيعي، ولذلك سمي نظريا وعلميا. وأما الجزء الثاني فهو قوانين العمل وذكر كيفيته وتقريب ذلك من الأجناس إلى الأنواع والأصناف، والاجتهاد في تقريبه إلى الأشخاص بضرب الأمثال واقتصاص أحوال أشخاص بأعيانهم حتى يتخيل حالهم المتعلم ويجعلهم مثالا يحتذى عليه في علاج الأشخاص الذين ها هو ذا يعالجهم، ويسمى (68) هذا الجزء العلمي لذلك على طريق النسبة (69) لأنه ليس بعمل في الحقيقة، وإنما هو علم كيفية العمل أو علم الأشياء التي من شأنها أن تعمل (70) ، فلما كان له إلى العمل هذه النسبة قيل له عملي، ولم يقل له عمل لأنه غيره في الحقيقة. وأما الجزء الثالث فهو مباشرة ذلك ومزاولته والقدرة على إخراجه إلى الفعل، وهذا الجزء (71) لا يقال له عملي بل عمل ويقال للملكة عليه قوة عاملة أو فاعلة. والفرق بين الجزء العملي وبين العمل نفسه أن العملي يبتديء في المعرفة من الغايات ثم لا يزال يتدرج بطريق التحليل إلى أن ينتهي إلى القوى؛ وأما العمل نفسه سواء كان عن الصناعة أو عن الطبيعة، فإنه يبتديء من القوى ولا يزال يمعن قليلا قليلا إلى أن ينتهي عند غاية ما، ويقف إما في أرباب الاستعدادات التامة عند (72) أكمل الغايات وأفضلها وآخرها، وإما (73) فيمن دونهم فعند غاية ما، أي غاية اتفق أن كان البدن أو الصانع معدا PageVW1P003A نحوها بالطبع. وحكي فرفوريوس الصوري (74) عن القدماء أن الصناعة عندهم تشتمل (75) على ثلاثة أنواع: أولها الصناعة النظرية، والصناعة العملية، والصناعة الفاعلة. ويحدون الصناعة أنها هيئة مجتمعة من معادن تسوق إلى كمال، وأن أنواعها الثلاثة يتميز بعضها عن بعض بغاياتها. فالنظرية هي علم ما شأنه أن يكون لا عن إرادة الإنسان؛ والعملية تشتمل (76) على علم ما شأنه أن يكون عن إرادة الإنسان؛ وأما الصناعة الفاعلة فهي التي ليس قصدها أن تعلم (77) فقط، لكن أن تعمل (78)، ويعني بذلك أن يكون الإنسان يحتاج في تتميمه أو إخراجه على الفعل إلى تحريك أعضائه بإرادته. وأيضا فالصناعة العملية (79) هي التي موضوعاتها التي يعلمها كليات الأشياء الإرادية من غير أن يشترط فيها أن تكون (80) لها قدرة على استعمالها في الجزئيات، فإذا إنما سميت صناعة عملية ليس لأن تستعمل (81) هي بأعيانها، ولكن لأن جزئياتها من شأنها أن تعمل وتدخل (82) تحت الإرادة. وحد أرسطوطاليس (83) الصناعة بأنها هيئة ما صانعة مع كلمة صدق. وقد بسط هذا الحد بعبارة أعرف فقيل: الصناعة هي ملكة يتوغل بها الإنسان نحو شيء ما يروي فيه على ترتيب. وقد تبين أن ما يعلم (84) في PageVW0P003B الجزء العملي ليس هو نفس ما يعمل، لكن الغاية منه ومنفعته أن يكون أصولا تستنبط (85) منها الجزئيات التي تعمل. ثم أن الجزء العملي يستعان في تعلمه واكتسابه بالقوة المنطقية، والجزء النظري أشد حاجة إليها. وأما الجزء الفاعل فليس يحتاج في تعلمه إلى صناعة المنطق بل اعتماده على الاحتذاء أكثر وعلى تكرير الفعل، فالصناعة الفاعلة سميت بذلك - كما قلنا - لاستعمالها أعضاء الحيوان في اكتسابها لا للدلالة بها على ما في النفس، ولا لأن توقع (86) بها في النفس معارف وحالات كتحريك (87) اللسان بالألفاظ وتحريك كثير من الأعضاء بالإشارة التي تقوم (88) مقام الألفاظ أو تعين (89) الألفاظ وهذه الحركات قد تكون (90) بأعضاء الطبيب نفسه، وقد تكون بآلات، والآلات قد تكون (91) متصلة وقد تكون (92) منفصلة، والمنفصلة قد تكون (93) متنفسة وقد تكون (94) غير متنفسة، والمتنفسة قد تكون (95) ناطقة وقد تكون (96) غير ناطقة، والآلة الناطقة هي بمنزلة العبيد والخدم وإليهم أشار أبقراط في الجزء الثاني من الفصل الأول، وأما الصديق والصاحب فعلى جهة النيابة لأنه يقوم مقام النفس، إذ (97) الصديق كما قال أرسطوطاليس (98): آخر هو أنت. فمن علم ما في كتب أبقراط (99) وجالينوس لا تحصل (100) له صناعة الطب حتى تحدث (101) له قوة PageVW1P003B على الفعل الكائن عن تلك الأصول، فاسم الصناعة ليس يدل على معارف كثيرة (102) تحصل (103) للإنسان، بل على القوة التي بها يفعل عن تلك المبادئ الحاصلة في نفسه، وهذا واجب في الصناعات (104) العملية (105) والنظرية جميعا على حد سواء، فإن الفعل المنسوب إلى الصناعة النظرية هو الاستنباط، وأما العلم نفسه فهو ملكة غير الصناعة أو هيئة أو حالة، لكن الصناعة النظرية تبتدئ من العلوم وتنتهي (106) إلى العلوم. وأما الصناعات الفاعلة فتبتدئ (107) من العلوم وتنتهي (108) عند أفعال أو مفعولات، فلذلك أيضا سميت هذه صنائع عملية، وتلك صنائع نظرية، وقد تسمى (109) علوما لأن غايتها (110) أن تعلم. ولما كان أرباب الكنانيش PageVW1P004B لا يجرون إلى الغاية على السنن ذمت (111) طريقتهم وذلك أنهم يذكرون قوانين كلية ويردفونها بأدوية مقدرة جزئية تقديرا شخصيا، وحينئذ (112) لا يمكن أن تطابقه (113) إلا على جهة الاتفاق والمصادفة لأنه لا يقتضيه بذاته بل إن كان ولابد فبالعرض، وإنما يطابق الكلي كليا (114) والشخصي شخصيا (115)، فإن أخذ ما في الكنانيش PageVW0P004A على أنه أمثلة كان نافعا في العمل، وإن أخذ على أنه هو الذي ينبغي أن يعمل كان ضارا. ولما كان القياس والتجربة يتعاونان في تكميل صناعة الطب بأن تعين التجربة القياس فيما لا يغني القياس فيه، والقياس يعين التجربة فيما لا تغني التجربة فيه، ظن قوم أن كلا منهما تحت الآخر ويرأس عليه وليس هذا الظن صادقا، بل القياس هو الذي يرأس التجربة، كما أن العلم الطبيعي قد يستعين في تبيين مبادئه وتصحيح براهينه بالطب، ولا ينبغي أن يقال أنه داخل تحت الطب أو أن الطب يرأسه. وكذلك العلم الطبيعي قد يرفد علم ما بعد الطبيعة ويعطيه كثيرا من مبادئه ومع ذلك فهو يرأس العلم الطبيعي ولا يسوغ أن يقال أنه تحته. وكذلك (116) الطب أيضا صناعة ترأس صنائع كثيرة، كصنائع عمل الآلات كالمباضع والمحاجم وآلات البط والشق والتشريح، وكعمل الأشربة والأدهان والمعاجين وخلط العطر وصناعة الطبيخ (117) وجميع الأعشاب وسائر الأدوية ومعرفة أعيانها ومعادنها وصناعة الصيدلة، فهذه وأمثالها كلها تحت صناعة الطب لأنها تعد لها الآلات وتخدمها في تحصيل غاياتها. ولنأخذ في بيان غرض الكتاب فنقول: غرضه تعليم (118) صناعة الطب العملية على طريق القياس، وهذا المعنى موجود في (119) قوله: "العمر قصير والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر" على ما يشهد (120) به شرحنا. وقد علمت مما سبق أن بين تعريف القوانين الكلية وإحصائها واحدا PageVW1P004A واحدا وتبيين ماهياتها وإحصاء الأفعال الكلية الصادرة عنها وبين إعطاء السبيل (121) في إفادة الصحة الجزئية بالتدبيرات الجزئية فرقا ظاهرا، وكذلك القدرة على إعطاء ماهية القوى والطبائع والأمزجة وجوهرها والأفعال * الكلية (122) عنها غير القدرة على إعطاء السبيل الجزئية والتدبير (123) الجزئي في إفادة الصحة؛ لأن الأشياء التي تعطينا القوانين (124) الكلية تكون بأقاويل برهانية أو جارية مجراها، وأما التي ترشدنا إلى الأمور الجزئية فأشياء ظنية وإقناعية وحدوس صناعية تستند إلى (125) تلك القوانين الكلية؛ فلذلك لا يكتفى في تحصيل الصحة الجزئية بتلك القوانين الكلية دون القدرة على التدبيرات الجزئية. وينبغي أن تعلم أنه ليست البراهين في الأمور الضرورية الدائمة فقط كما يظن ذلك من لا حنكة عنده، بل وفي الأمور الأكثرية أيضا فإن البرهان يقوم عليها على أنها أكثرية، كما أشير إلى ذلك في أنالوطيقا الثانية ولقد صرح به ثاوفرسطس PageVW0P 4B في برهانه، فهذه حالها مادامت (126) كلية. فأما الجزئي الحاصل منها بالفعل أوالذي مزمع (127) أن يحصل بالفعل فليس يكتسب علمه (128) أو يتوصل إلى تحصيله بالفعل بذلك البرهان بعينه، بل بقوة أخرى وبأقاويل أخر (129). فأما نفس تحصيله بالفعل فيحتاج إلى المباشرة والعلاج واستخراج الجزئي من ذلك وتقدير ما يحتاج إليه منه (130) بقوة أخرى ليست الأولى ولا الثانية؛ فإن احتيج إلى عمل باليد كالبط (131) والقطع والكي والجبر افتقر إلى تدريب * اليد مرات كثيرة، كما يحتاج الخياط والنجار إلى تدريب (132) يده في عمل صناعته (133) كيما لا تضطرب ولا تزول عن موضع الغرض ولتفعل أفعالها على ما ينبغي من غير كلفة ولا كبير عمل (134). وهذا القسم من الصناعة أشد أجزائها حاجة إلى الاحتذاء، وأقلها استغناء بالوصف والقول حتى تجد القول وحده لا يكاد يجدي فيه ولا يستوفيه. ويليه في ذلك القسم الذي قبله فإن الوصف فيه أنجع، ويكاد القول فيه يفي، والاحتذاء مرات قليلة يكفي. وأما القسم الأول فالقول فيه مجد جدا ويكفي في تعلمه الوصف فقط، لأنه قوانين علمية، وإن احتيج في تعلمها إلى الجزئيات المحسة فعلى جهة التمثيل والوثاقة في التفهيم. فهذا الكتاب لم يوضع بحسب مداواة أمة بعينها أو أشخاص معينين، بل على جهة العموم لجميع نوع الإنسان، فأما التنزيل إلى الأصناف الأخيرة والأشخاص (135) المحسة فيحتاج إلى قوة (136) وتدربات (137) بحسبهم، ألا ترى أن من سلك أسلوبا (138) في مداواة الحبشة لو انتقل إلى بلاد الصقالبة لم يسعه أن يسلك ذلك الأسلوب بل تلجئه ضرورة الصناعة إلى سلوك غيره. وأقرب من ذلك أنه قد يحتاج إلى تبديل الأسلوب في أهل مدينتين متقاربتين، بل ربما كان ذلك في أهل مدينة واحدة PageVW1P004B ذات جهتين. وأما تنزيل ذلك بحسب العادات والسير والأسنان والصناعات وأشباهها، فاختلافه ظاهر. وقد تكررت وصية أبقراط (139) وجالينوس بمراعاته وملاحظته، ومن الأمثلة المنبهة (140) لك على الفرق بين كليات الصناعة وجزئياتها صنفا (141) العلامات المحمودة والعلامات المذمومة المحصاة في كتاب تقدمة المعرفة وغيره، فإن إحصاء كل من الصنفين على حياله، ومعرفة قوة دلالة كل علامة على انفرادها وعند اجتماعها مع مثلها أو أمثالها عن صنفها، أو عند اجتماعها مع ضدها أو أضدادها من غير صنفها، والموازنة والمقايسة بينهما PageVW0P005A ومعرفة دلالتها في أوقات المرض وأسنان المريض وأوقات السنة والبلدان وغير ذلك، فإن هذا كله من العلم الكلي الذي يمكن أن يقام عليه برهان (142) على أنه أكثري. وأما تأمل ذلك في يد (143) المريض مثلا، ومعرفة تلك العلامات فيه بالحس والحكم عليه بأن حاله كذا، أو تؤول إلى كذا، أو قد كانت كذا فكله من جزء العمل يفتقر فيه إلى مزاولة وتدرب ويحصل بملكة أخرى غير تلك الأولى، وأكثره لا يمكن أن يعطى فيه إلا الإقناع وغلبة الظن. وفي صناعة الطب صنف يصدق الحكم عليه صدقا قويا مع خفائه وعدم القدرة على الإقناع فيه يسمى التكهن والحدس المصيب، وهذا الصنف أكثر ما يكون عندما تقوى الملكة قوة تفوق (144) القول. ولهذا أمثلة كثيرة من صنائع متعددة، فإن صناعة الفروسية تعلم الإنسان كيفية اختلاس الطعن والضرب (145)، وكيف يتوقى ذلك من خصمه، وكيف يجنبه (146) عنه، فإذا نازل العدو ولم يسعه أن يستعمل ذلك بعينه، لا بد أن يتصرف فيه بالزيادة والنقصان بحسب ما يقتضيه الوقت الحاضر وسائر المخصصات وربما وقعت هيئات لم يعلمها لكن يكون لها عنده نظير أو يستخرج لها جوابا بقوة ملكته. وكذلك المجادل والمخاصم، إذا كان قد لقن حججه (147) ودفع حجج الخصم، إن لم يكن له من نفسه تصرف واستنباط وزيادة ونقصان بحسب الحال الحاضرة واتكل على أن يستعمل ما لقنه بعينه، كان بعيدا عن الفلح (148) جديرا بالانقطاع والتبكيت، فالقوة التي بها لقن ما لقن غير القوة التي بها يستنبط ويزيد وينقص، وهذه القوة إنما تحصل بطول المزاولة وتكرر الممارسة. وأما القوة الأولى التي بها يعلم ما في الكتاب فتحصل بمجرد الحفظ والفهم، وأما تنزيلها إلى الأشخاص بقوة أخرى تحصل بالمباطشة، وقد أشار إلى ذلك أبقراط نفسه في الجزء الثاني من الفصل الأول بقوله: "وقد ينبغي لك ألا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون المريض ومن يحضره PageVW1P005A كذلك". فإن فعل ما ينبغي هو تنزيل القوانين إلى الأشخاص وتعيين الكلي في الشخص، وتوخي ذلك هو الاجتهاد في تعيينه (149) على أقصى ما يمكن من الصحة والصواب بالتقريب جدا. وبالجملة فمن عرف (150) ما في هذا الكتاب ولم يكن له قوة على تنزيل الأشخاص واستنباط ما ينبغي لكل واحد من الأقدار (151) لم يكد ينتفع بما في هذا الكتاب في تحصيل PageVW0P005B الصحة، كما أن من لقن حجج الجدال ولم يقدر على تنزيلها بحسب المخاطبين لم يكد يغلب؛ فهذا كاف في معرفة غرض الكتاب. وإذ (152) قد عرفت الغرض فإنه يسهل منه تبين المنفعة والنسبة والمرتبة. فأما منفعة ما في هذا الكتاب: فالبعيدة منها أن تصير الأبدان الإنسانية على أفضل ما يمكن من الصحة. وأقرب من هذه أن تصير (153) لنا قدرة على حفظ الصحة وشفاء الأسقام، وأن يتخذ ما في هذا الكتاب من القوانين معتصما يلتجأ إليه من الزلل والحيد (154) عن طريق الصواب، فإن الفرق بين الغرض والمنفعة أن الغرض هو المقصود من الشيء في نفسه وهو الذي قصد تعريفه في الكتاب. وأما منفعته (155) فهي جدواه (156) في شيء آخر خارج عنه. وأما نسبة ما في هذا الكتاب إلى جملة صناعة الطب فهي أنه كليات الجزء العملي، وقد تبين من قولنا أن صناعة الطب تنقسم إلى جزئين: علمي، وعملي. وأن الجزء العلمي (157) هو معرفة الأشياء التي ليس إلينا وجودها. وأن الجزء العملي ينقسم قسمين: أحدهما كليات الأمور التي إلينا وجودها، إذ (158) هي نافعة في ذلك نفعا أوليا. والقسم الثاني هو التمرن في مزاولة الجزئيات ومباطشتها والقدرة على تقدير ما يخص شخصا شخصا ويخص هذا بصناعة العمل؛ فهذا الكتاب يحتوي على معظم كليات الجزء العملي ويكاد يكون جوامع كتب أبقراط (159) لأنه يشارك أكثر كتبه، وأحراها بذلك كتاب ابيديميا وإن كان خاصا بالأمراض الوافدة، وهذا الكتاب كأنه خاص بالأمراض المدنية والأمراض التي يجرى فيها القياس أكثر وأقوى. وأما مرتبة هذا الكتاب فقد اختلف الناس فيها وجعلوا لكتب أبقراط ترتيبا في القراءة واختاروا منها اثنى عشر كتابا ورتبوا هذا الكتاب منها في مراتب، وأما أنا فأرى أنه ينبغي أن يبتدأ أولا بعهد أبقراط (160) الذي عهده إلى الأطباء الغرباء فيقرأ (161) أولا ويفهم أغراضه فيه، ويتقبل (162) ما فيه من الأخلاق والصفات، ثم يبتدأ بعده بكتاب الفصول، ثم بكتاب تقدمة المعرفة. وأما نحو التعليم المستعمل فيه فهو طريق الفصول، وهي طريق الاختصار والاقتصار على قضايا كلية تؤخذ مهملة (163) على أنها كذلك على الحكم الغالب، وأما جهة ثبوتها فأكثرها مصحح بالتجربة معضودا (164) بالقياس، وبعضها بالقياس وحده وهو الأقل. وفي بعض الفصول تنبيه (165) على العلة إذا كانت خفية، وهذه القضايا تقوم عليها البراهين الأكثرية PageVW1P005B لا الضرورية كما قلنا ذلك، فإن أرسطوطاليس (166) إذا ذكر الأشياء الطبيعية للأمر جعلها الأشياء الدائمة اللزوم له، PageVW0P006A أو الأشياء اللازمة له على الأكثر، ويجري الأشياء الكائنة على الأكثري (167) مجرى الأشياء الاضطرارية، والأشياء الذاتية توجد في المواد الممكنة كما توجد في الأمور الاضطرارية، وقد صرح في كتاب ما بعد الطبيعة أن الأشياء الذاتية هي إما اضطرارية، وإما على الأكثر، ويقتصر في البراهين الممكنة من شرائط اليقين المطلق على بعضها فيشترط في المحمول أن يكون ذاتيا ومناسبا على ما يخص (168) معناهما في كتاب البرهان، ويسقط من الشرائط أن يكون ضروريا ودائما ويجعل مكانه أن يكون أكثريا. وقد علم في غير هذه المواضع أن أنحاء التعاليم ثلاثة أجناس: ما يسهل تفهيم الشيء، وما يبين (169) أنه حق، وما يسهل حفظه. فأما ما يسهل فهم الشيء فهو الحد والرسم والقسمة والتحليل وإبدال الاسم. وما يبين (170) أنه حق هو القياس. وما يسهل حفظه هو وجازة اللفظ وجودة البيان. وأبقراط استعمل في هذا الكتاب ما يسهل فهمه وما يسهل حفظه بما فيه من الإيجاز وجودة البيان، ووصف الشيء بأخص صفاته. وأما ما يبين أنه حق فقلما استعمله، واتكل فيه على أنه مقبول (171) وسيصححه السامع والمتعلم بالتجربة والقياس عندما يتبحر. وأما أجزاء الكتاب الكبار، فهو سبع مقالات. وأما أجزاؤه (172) الصغار (173) فهي (174) فصول كل (175) مقالة وهي محصاة فيها. وأما أغراض كل مقالة فليست محصورة في ترتيب، بحيث يسهل إحصاؤها إلا بقراءة الفصول أنفسها، لكن فيها تكرير وتداخل، والتكرير (176) قد يكون باللفظ عينه، وقد يكون بالمعنى. وأما التداخل فأن يكون الفصل يقوم مقام فصل آخر ويشتمل (177) على معناه. وفيها فصول يظهر من أمرها أنها منحولة إلى أبقراط (178). ويوجد في بعض النسخ القديمة فصول كثيرة بعضها مكرر اللفظ والمعنى، وبعضها مكرر المعنى ركيك اللفظ، وبعضها ركيك اللفظ رديء المعنى، وأكثر ما يوجد ذلك (179) في آخر المقالة السابعة؛ ويتبين من حال هذه الفصول أنها ليست من كلام أبقراط لأنها مجانبة لفصاحته وطريقه في إيجاز لفظه وصحة معناه، فلذلك أضربنا عن كثير منها. وقد يوجد في بعض الفصول ما يعده قوم فصلا واحدا؛ ويقسمه قوم إلى فصلين. وأما عنوانه فهو كتاب الفصول، وقد قلنا أن طريق الفصول هو طريق الإيجاز والاختصار والاقتصار على القضايا الكلية المصححة، التي هي (180) نتائج القياس والتجربة ليسهل حفظها وضبطها والعمل بها، وهذه التسمية مطابقة PageVW0P006B لمعناه. وأما واضعه فهو أبقراط (181) بشهادة جالينوس وغيره من المتقدمين والمتأخرين، وأن ما فيه PageVW1P006A مبثوث في سائر كتبه باللفظ أو بالمعنى وخصوصا كتاب أبيديميا، ثم إنه من نوع كلامه في (182) سائر تصانيفه. على أن العلم بواضع الكتاب ليس ضروريا ولا نافعا في فهم ما فيه اللهم إلا بالعرض (183)، لأن المتعلم إذا عرف من واضعه كانت نفسه إليه أسكن ، وقلبه به أوثق، وربما صار حرصه على تعلمه أزيد متى اعتقد في واضعه الحذق والنباهة. فهذه هي الرؤوس الثمانية التي جرت العادة بتقديمها أمام (184) الشروح، وكنا قد بسطنا القول في هذه الأعراض بسطا تجاوز الحد اللائق بالتوطئة، وذكرنا حد الطب لجالينوس وحللناه وبسطناه، وذكرنا أيضا حدودا أخرى لغيره وشرحناها وقايسنا بينها وبينا عوارها (185)، وذكرنا حدا خاصا بنا، وذكرنا أجزاء الطب وكيفية قوله عليها بالاشتراك، وكيفية تولد الطب، وطرفا من أخبار أبقراط وجالينوس، وأشياء أخر، فلما رأيناه قد خرج عن حد التوطئة أفردناه وجعلناه كتابا قائما برأسه ولقبناه برسالة * في حد الطب (186) واقتصرنا على هذا المقدار أمام هذا (187) الشرح. وقد حان لنا أن نأخذ في شرح الفصول فصلا فصلا على التوالي، وبالله التوفيق * وهو المسهل والمعين (188). PageVW2P001B
المقالة الأولى من كتاب الفصول (189)
[فصل رقم 1]
[aphorism]
(190) قال أبقراط (191) العمر قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر، وقد ينبغي لك ألا (192) تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج.
[commentary]
قال عبد اللطيف (193): صدر كتابه بأمور عامة ونافعة معا، وقصد بهذا الفصل أن يعرفنا ما يلحق الصناعة من الخلل والنقص على مذهب أرباب التجربة، وما يلحقها من الكمال والبراءة من ذلك الخلل على رأي أرباب القياس، وأن يعرفنا أنه إنما وضع كتابه هذا على رأي أرباب القياس، فوفى قوله بالرد (194) على التجريبيين (195) والنصرة للقياسيين، وتبيين (196) طريق تعليم هذا الكتاب وتقديم وصايا نافعة في جميع أعماله، وإقامة المعذرة لواضعه في عدوله عن طريق أرباب التجربة المعهودة إلى هذه الطريق. وقوله: العمر قصير ، أي الزمان الذي شأن PageVW2P002A الإنسان أن يدرك فيه المعارف الطبية (197) قصير بالقياس إلى طول صناعة الطب (198)، فكأنه يقول لو اتكلنا PageVW0P007A في جميع المعارف الطبية على أن نعلمها من قبل التجربة لاضطررنا إلى تجربة جزء جزء من كل مرض وصحة، ومن كل دواء وغذاء، مفردا أو مقترنا، وعلى كل حال ممكنة فيه، وهذا مما لا يفي العمر به ويقصر دونه بل ذلك في مرض واحد ودواء واحد عسر. وقوله: والصناعة طويلة، يشير بها إلى صناعة الطب PageVW1P006B ويشير بطولها إلى كثرة أجزائها التي لا يمكن حصولها وتجربتها إلا في زمان طويل، فإذا كان العمر قصيرا لا يفي والصناعة طويلة تحتاج في تجربة جزئياتها إلى زمان طويل أدى ذلك إلى أن لا تعرف صناعة الطب على مذهب أرباب التجربة، أو تعرف معرفة ناقصة رديئة نزرة. والصناعة: كل ملكة اعتيادية يمعن الإنسان بها على ترتيب نحو غرض ما. والطويلة: هي التي لها أجزاء كثيرة، أو التي إنما يحصل ملكه في زمان طويل. وقوله: والوقت ضيق، يريد به وقت المرض، ويريد بضيقه (199) قصره وأن المرض، بل البدن، لا يثبت على حالة واحدة لكنه سريع الاستحالة سهل التغير من نفسه، فضلا عن تغيره (200) من أسباب خارجة، فإذا يتعذر على الطبيب أن يجرب كل ما يؤثر تجربته من وجهين، أحدهما (201): أن وقت المرض قصير فيضيق عن أصناف التجربة. والثاني: أن المرض لسيلانه وسرعة تغيره في الزيادة والنقصان لا يدعنا نثق بالتجربة إلا بعسر وذلك من وجوه كثيرة: منها أنه قد يصادف فعل الطبيعة (202) في المرض ما كنا نتوقعه من فعل العلاج أو الدواء فنحيله عليه وإنما هو من فعل الطبيعة. ومنها أن يكون بالعكس. ومنها أن يكون قد زاد المرض عن مقدار الدواء أولا فلا يؤثر لذلك، أو نقص فحدث PageVW2P002B عن الدواء ضرر بمقدار زيادته عن الحاجة. وبالجملة فإنما نثق بالتجربة متى تكرر فعل واحد في أشياء كثيرة متفقة في حال واحد من كل وجه أو من أكثر الوجوه ووجد أن هذا عسر؛ فحاصل هذا أن الحكم على مريض ثان بما جرب في مريض أول من غير استعمال القياس (203) فيما يخص الثاني خطأ أو خطر. وقوله: والتجربة خطر، أي غرر وإقدام بالفعل على غير بصيرة ولا ثقة، وإنما يستعمل هذه اللفظة، أعني الخطر في شيء شريف خطر (204) يقدم على مزاولته من غير ثقة بسلامته، وبدن الإنسان مما هو شريف فالإقدام على معالجته بالتجربة من غير ثقة بسلامة العاقبة خطر والطبيب يعالج المريض ليبريء لا ليجرب، فإن التجربة تكرير (205) الإحساس في شيء لتثق النفس أن فعله وانفعاله PageVW0P007B منسوب إليه لذاته لا واقع على طريق الاتفاق. والمجرب متعلم، فإذا كنا أبدا مجربين فيا ليت شعري متى نكون مداوين. وقوله: والقضاء عسر، يريد بالقضاء بت الحكم عن قياس تقدمه، وعسره ظاهر لأن القياس شروطه كثيرة وإحصاء (206) جميعها واجب، والإخلال بشيء منها مغلط ولا جرم في المواد السيالة، فكأنه يقول: فإذا كان القضاء والحكم عن القياس وعن المقدمة الكلية عسرا لكثرة شروطه، فما ظنك بالقضاء على مذهب أرباب التجربة المنتقلين PageVW1P007A من جزئي إلى جزئي من غير جامع كلي. وإن شئت كان التقدير هكذا: والتجربة خطر، والقضاء باعتبارها من غير قياس عسر، ويريد بعسره إما بطء التفطن له وصعوبة إدراكه، وإما كثرة اختلافه وقلة صوابه. هذا آخر الفصل عند قوم، وشطره عند آخرين، وكيف ما كان فإن من (207) أول الكتاب إلى هنا صفة للطبيب كيف ينبغي أن يكون، ووصية له بما ينبغي أن يأخذ به نفسه، وما بعد إلى قوله: ومن يحضره PageVW2P003A كذلك، وصية للمريض كيف ينبغي أن يكون، فإن الطب صناعة فاعلة بصفة ما فيقتضي منفعلا وقابلا بصفة ما، فذكر أولا صفة الفاعل، كيف ينبغي أن يكون حتى يصدر منه الفعل على الصواب؛ ثم تلاه بصفة المنفعل، كيف ينبغي أن يكون حتى يقبل فعل الفاعل ويحصل منه الغرض والغاية، فكأنه قال: ينبغي أن يكون الطبيب بصيرا بكل ما ينبغي أن يفعل، فطنا بكل تغير، قادرا على المقايسة. وينبغي أن يكون المريض قابلا لما يأمر به الطبيب، ممتثلا لما يرسمه على ما سنقول فيه إن شاء الله تعالى، وقد قيل في الغرض (208) بهذا الصدد أقاويل أخر غير ما قلناه، أشبهها قولان: أحدهما: قالوا الغرض أن يبين العلة في أن جعل طريق تعليمه على هذا النحو، أي على طريق الفصول، لأن استقصاء جميع ما قصد إليه بالإيجاز والإحاطة من أنفع الأشياء لمن أراد تعلم صناعة طويلة في عمر قصير، فكأنه بين غرضه في نحو تعليمه . والثاني: قالوا أنه أخبر بمنفعة وضع الكتب لأن قصر العمر وطول الصناعة يوجبان للمبتدئ بهذه الصناعة أن لا يبلغ غايتها، فإذا وضع الأول للثاني ما علمه (209) في كتاب وتأدى (210) إلى الآتي ذلك العلم في زمان قصير أضاف إليه ما استخرجه هو، ولا يزال الأمر كذلك إلا أن تكمل الصناعة، فكأنه قال: هذا مقدار ما حصل لي علمه وثبت عندي قوانينه فليأخذه من وصل إليه وليزد ما حصل له عليه لينمي العلم ويكمل الصناعة. وقوله: وقد ينبغي لك، هو عند أكثر الناس PageVW0P008A فصل قائم برأسه، وأخرجه مخرج المشورة والنصيحة لأن ذلك أدعى إلى القبول وألطف بالمتعلم. ومعنى ينبغي لك: أي يجب عليك أيها المتعلم، كأنه يقول: إن أردت أن تعرف وتخبر حقيقة ما في كتابي هذا (211) فليس ينبغي لك أن تقتصر على فعل ما يجب فعله دون أن يكون المريض PageVW2P003B مطاوعا والخدم فرها أكياسا، والأشياء التي من خارج وهي مثل المنازل والأهوية وما يعرض للمريض من غم وغضب ونحو ذلك، فإن كثيرا ما يعرض بسبب ذلك أن تبطل صحة ما يتقدم بمعرفته أو يفسد العلاج فلا ينجح، أو يعرض الأمران جميعا، فإن جرى أمر هذه كلها على ما ينبغي لم يوجد من جميع ما في هذا الكتاب شيئا باطلا. وقصد بهذا الفصل تعريف الأشياء الثلاثة التي لا تحصل غاية صناعة الطب إلا بانضيافها PageVW1P007B إلى معارف الصناعة، الأول: إرادة الطبيب أن يفعل عن المعارف الحاصلة في نفسه، وإلى هذا أشار بقوله: على فعل ما ينبغي أن يفعله. فإن الذي ينبغي أن يفعله الطبيب هو ما تقتضيه المعارف الحاصلة في نفسه، الملخصة في هذا الكتاب وغيره. والثاني: طاعة المريض ومن يحضره لما يريد الطبيب ويأمر به. والثالث: موافقة الأشياء الخارجة. ومتى لم تجتمع هذه الثلاثة إلى المعرفة الصحيحة لم يبلغ غاية الصناعة بالضرورة.
[فصل رقم 2]
Page inconnue