لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
رجع إلى صفة قومه بما يأنفون منه عنده؛ وتدخلهم الحمية لدى الإصغاء إليه، وليس قصده ذمهم فقال: لكن قومي وإن كان فيهم كثرة عدد وعدة ليسوا من دفع الشر وإنكاره، وقصده وإرتكابه في شيء، وإن كان فيه خفة وقلة. وقد قابل الشرط بالشرط في الصدر والعجز، وطابق العدد والكثرة بالهون والخفة في الكلام، ويريد أن يصفهم بأنهم يؤثرون السلامة والعفو عن الجناة ما أمكن، ولو أرادوا الإنتقام لقدروا بعددهم وعدتهم ولكن المراقبة والتقوى تدعوهم إلى إيثار الحسنى.
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
روى بعضهم من ظلم أهل الظلم والظلم بالفتح المصدر وبالضم الاسم. وهذه الرواية عندي أحسن. وقد بينت ما فى المغفرة والإحسان من الدلالة على أنهم كانوا يقدرون على إيثار ضدهما. والظلم: انتقاص الحظ والنصيب. وقيل هو وضع الشيء في غير موضعه، ونقيضه العدل. وينتصب إحسانًا بيجزون مضمرًا، كأنه قال: ويجزون من الإساءة إحسانًا. وجاز حذفه لأن الفعل قبله يدل عليه.
كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانًا
الخشية والخشى والمخشاة: مصدر خشى. ويقولون: هذا المكان أخشى من ذاك، وهو نادر لأن المكان يخشى فهو مفعول. ورجل خشيان وامرأة خشيانة. وقوله سواهم من جميع الناس هو استثناء مقدم، ولو وقع موقعه لكان الكلام لم يخلق لخشيته إنسانًاسواهم فكان يجوز في سواهم البدل والإستثناء والصفة، فلما قدم بطل أن يكون بدلًا وصفةً، لأنهما لا يتقدمان علىالموصوف والمبدل منه، فبقى أن يكون استثناء. وقد نبه بهذا الكلام أن احتما لهم لاحتساب الأجر على زعمهم، وإبقاءهم في الإنتقام لخشية فوات الذخر في دعواهم، فكأن الله لم يخلق لخوفه غيرهم.
1 / 26