شديدة قد عرفوا بها وحمدوا من أجلها، ولذلك قال بعض الشعراء موبخًا لغيرهم:
فهلا سعيتم سعي عصبة مازن ... وهل كفلائي في الوفاء سواء
كأن دنانيرًا على قسماتهم ... وإن كان قد شف الوجوه لقاء
وقصد الشاعر في هذه الأبيات عندي إلى بعث قومه على الانتقام له من أعدائه ومهتضميه، وتهييجهم وهزهم، لا ذمهم. وكيف ووبال الذم راجع إليه؟! لكنه في هذا المعنى سالك لطريقة كبشة أخت عمرو بن معد يكرب في قولها:
أرسل عبد الله إذ حان يومه ... إلىقومه لا تعقلوا لهم دمي
ألا ترى أنها قالت في جملة هذه الأبيات:
ودع عنك عمرًا إن عمرًا مسالم ... وهل بطن عمر غير شبر لمطعم
فلا يجوز أن يتوهم أنها كانت تهجو أخاها عمرًا أو تنسبه إلى العجز والتقصير في طلب ثأر أخيه، وعمر هو الذي كان يعد بألف فارس، ولكن مرادها بعثه وتهييجه. وهذا كما يقول العبد لمولاه والغلام لصاحبه وقد لحقتهما هضيمة من أجنبي: لو كنا في خدمة فلان عمك أو أخيك لما جسر هذا أن ينالنا بمكروه! ولا يجوز أن يقال إنهما هجوا سيدهما أو فضلا غيرهما عليهما، ولكن المراد تحريكهما لهما، وإذا كان الأمر على هذا فمن الظاهر بطلان قول من يذهب إلى أن هذا الشاعر هجا قومه ومدح بني مازن يؤكد ما قلته قوله:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
لأنه لا يقال لمن يمسك عجزًا عن الانتصار إنه غفر، ولا لمن يقدر على جزاء الإساءة إنه اختار الإحسان. فإن قيل: أليس قد قال:
ليسوا من الشر في شيء وإن هانا.
وقال أيضًا:
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ... شنوا الإغارة فرسانًا وركبانا
1 / 21