Commentaire de la Croyance de Tahawi
شرح العقيدة الطحاوية
Enquêteur
أحمد شاكر
Maison d'édition
وزارة الشؤون الإسلامية
Édition
الأولى
Année de publication
١٤١٨ هـ
Lieu d'édition
والأوقاف والدعوة والإرشاد
Genres
Croyances et sectes
فَإِنْ قَالُوا: بَلْ عُلُوُّ الْمَكَانَةِ لَا الْمَكَانِ؟ فَالْمَكَانَةُ: تَأْنِيثُ الْمَكَانِ، وَالْمَنْزِلَةُ: تَأْنِيثُ الْمَنْزِلِ، فَلَفْظُ"الْمَكَانَةِ وَالْمَنْزِلَةِ"تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَانَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ"الْمَكَانِ وَالْمَنْزِلِ"فِي الْأَمْكِنَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ، فَإِذَا قِيلَ: لَكَ فِي قُلُوبِنَا مَنْزِلَةٌ، وَمَنْزِلَةُ فُلَانٍ فِي قُلُوبِنَا وَفِي نُفُوسِنَا أَعْظَمُ مِنْ مَنْزِلَةِ فُلَانٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: "إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَنْزَلَهُ الْعَبْدُ مِنْ قَلْبِهِ". فَقَوْلُهُ: "مَنْزِلَةُ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ": هُوَ مَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا عُرِفَ أَنَّ"الْمَكَانَةَ وَالْمَنْزِلَةَ": تَأْنِيثُ الْمَكَانِ وَالْمَنْزِلِ، وَالْمُؤَنَّثُ فَرْعٌ عَلَى الْمُذَكَّرِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَتَابِعٌ لَهُ، فَعُلُوُّ الْمِثْلِ الَّذِي يَكُونُ فِي الذِّهْنِ يَتْبَعُ عُلُوَّ الْحَقِيقَةِ، إِذَا كَانَ مُطَابِقًا كَانَ حَقًّا، وَإِلَّا كَانَ بَاطِلًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ عُلُوُّهُ فِي الْقُلُوبِ، وَأَنَّهُ أَعْلَى فِي الْقُلُوبِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ - قِيلَ: وَكَذَلِكَ هُوَ، وَهَذَا الْعُلُوُّ مُطَابِقٌ لِعُلُوِّهِ فِي نَفْسِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِيًا بِنَفْسِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، كَانَ عُلُوُّهُ فِي الْقُلُوبِ غَيْرَ مُطَابِقٍ، كَمَنْ جَعَلَ مَا لَيْسَ بِأَعْلَى أَعْلَى.
وَعُلُوُّهُ ﷾ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ بِالسَّمْعِ، ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ. أَمَّا ثُبُوتُهُ بِالْعَقْلِ، فَمِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: الْعِلْمُ الْبَدِيهِيُّ الْقَاطِعُ بِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَارِيًا فِي الْآخَرِ قَائِمًا بِهِ كَالصِّفَاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ بَائِنًا مِنَ الْآخَرِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ الْعَالَمَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُ فِي ذَاتِهِ أَوْ خَارِجًا عَنْ ذَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ: أَمَّا أَوَّلًا: فَبِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْخَسَائِسِ وَالْقَاذُورَاتِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَالثَّانِي: يَقْتَضِي كَوْنَ الْعَالَمِ وَاقِعًا خَارِجَ ذَاتِهِ، فَيَكُونُ مُنْفَصِلًا، فَتَعَيَّنَتِ الْمُبَايَنَةُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِالْعَالَمِ وَغَيْرُ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ - غَيْرُ مَعْقُولٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ -: يَقْتَضِي نَفْيَ وَجُودِهِ
1 / 269