157

Commentaire de la Croyance de Tahawi

شرح العقيدة الطحاوية

Chercheur

أحمد شاكر

Maison d'édition

وزارة الشؤون الإسلامية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤١٨ هـ

Lieu d'édition

والأوقاف والدعوة والإرشاد

قَرُبَ، وَأَنَّهُ يَتَجَلَّى لِعِبَادِهِ، وَأَنَّهُ يَضْحَكُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي سَمَاعُهَا عَلَى الْجَهْمِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّوَاعِقِ.
وَكَيْفَ تُعْلَمُ أُصُولُ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ؟ وَكَيْفَ يُفَسَّرُ كِتَابُ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ رَسُولُهُ ﷺ وَأَصْحَابُ رَسُولِهِ، الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ؟ وَقَدْ قَالَ ﷺ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ (١). مَا الْأَبُّ؟ فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟ وَلَيْسَ تَشْبِيهُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تَشْبِيهًا لِلَّهِ، بَلْ هُوَ تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ، لَا تَشْبِيهُ الْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ، وَلَكِنْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ. وَإِلَّا فَهَلْ تُعْقَلُ رُؤْيَةٌ بِلَا مُقَابَلَةٍ؟ وَمَنْ قَالَ: يُرَى لَا فِي جِهَةٍ، فَلْيُرَاجِعْ عَقْلَهُ!! فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ أو فِي (٢) عَقْلِهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَإِذَا قَالَ يُرَى لَا أَمَامَ الرَّائِي وَلَا خَلْفَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ، رَدَّ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ بِفِطْرَتِهِ السَّلِيمَةِ.
وَلِهَذَا أَلْزَمَ الْمُعْتَزِلَةُ مَنْ نَفَى الْعُلُوَّ بِالذَّاتِ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالُوا: كَيْفَ تُعْقَلُ رُؤْيَةٌ بِغَيْرِ جِهَةٍ.
وَإِنَّمَا لَمْ نَرَهُ فِي الدُّنْيَا لِعَجْزِ أَبْصَارِنَا، لَا لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ، فَهَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا حَدَّقَ الرَّائِي الْبَصَرَ فِي شُعَاعِهَا ضَعُفَ عَنْ رُؤْيَتِهَا، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ، بَلْ لِعَجْزِ الرَّائِي، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اللَّهُ قُوَى الْآدَمِيِّينَ حَتَّى أَطَاقُوا رُؤْيَتَهُ. وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ، خَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ سورة الْأَعْرَافِ آية ١٤٣، بِأَنَّهُ لَا يَرَاكَ حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَشَرُ يَعْجِزُونَ عَنْ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ فِي صُورَتِهِ،

(١) سورة عَبَسَ آية ٣١.
(٢) في الأصل: (لعقلها وفي) والصواب ما أثبتناه، كما في بعض النسخ. ن.

1 / 160