قال أرسطاطاليس : « فأما فغير ممكن أن تكون بلا نهاية ، إذ كانت المحمولات - من فوق أخذت أو من اسفل - قد تنقطع . ومعنى قولنا : « من فوق » - هو أن يقع الترقى ، والأمعان من ناحية الأمر الكلى . ومعنى قولنا : « من أسفل » - هو أن يقع الإمعان من ناحية الجزئى . فلو كان عندما تحمل أعلى ز تكون المتوسطات التى عليها علامة ب غير متناهية ، لكان ظاهرا بينا أنه يمكن الإمعان من أإلى أسفل ، بأن يحمل شىء على شىء بلا نهاية ولا يصل إلى ز من قبل أن الأوساط التى بين الطرفين لا نهاية لها ، فلذلك أيضا إن أمعن أمن ز إلى فوق فلا تصل إلى أ، لأن الأوساط التى بينها لا نهاية لها . وهذا غير ممكن . فإذن لا يمكن أن تكون الأوساط التى بين أوز غير متناهية . ولا أيضا لو عارض معارض بأن بعض المتوسطات ، مثل ما بين أب ح يتبع بعضها بعضا ، ولا يكون بينهما وسط . وبعضها لا سبيل إلى أن يوجد كذلك ، فإنه لا فرق بين الأول والثانى إذا أقتضب من ب نحو أأو نحو ز كان لانهاية موجودا بين كل حدين ، أو لم يكن كذلك ، أعنى الا يكون بين كل حدين . فإنه سواء كان بين كل حدين ، أو كان موجودا . وذلك أن الأشياء التى بعد هذه تكون بلا نهاية . » التفسير قوله : « فالأوساط فغير ممكن أن تكون بلا نهاية ، إذ كانت المحمولات - من فوق أخذت ، أو من أسفل - قد تنقطع » - : يريد فأما الأوساط فقد تنتهى [٩٩ أ] إذا وضع أن المحمولات التى فى الوسط إذا أخذ الحمل إلى فوق محمول أخير ليس يحمل عليه غيره ، وإلى موضوع أخير ليس يحمل على غيره ، وهو الذى دل عليه بقوله : « قد ينقطع » . وهو يضع أولا فى هذا البيان أن هاهنا محمولا أخيرا وموضوعا أخيرا . ثم يتكلف البرهان على < أن > الأوساط بينها ليس يمكن أن تكون غير متناهية . ثم بين بعد أن هاهنا محمولا أخيرا وموضوعا أخيرا . ولما كان قد قال : « إذ كانت المحمولات ، من فوق أخذت أو من أسفل ، قد تنقطع » ، شرح ما أراد بهذا اللفظ فقال : « ومعنى قولنا : « من فوق » - أن يقع الترقى والإمعان من ناحية الكل » - يريد : أن يقع الترقى فى الحمل من ناحية المحمول ، أى متى فرضنا مقدمة من محمول وموضوع ، وأخذنا لذلك المحمول محمولا ، ولذلك المحمول محمولا ، أنه ليس يمر الأمر إلى غير نهاية . ولما كان المحمول يزاد على الموضوع ، والزيادة على الشىء شبيهة بالترقى ، سمى هذا النوع من الحمل ترقيا . وعنى ب « الكلى » : المحمول ، وإنما سماه « كليا » لأنه أعم الحدين . ثم قال : « ومعنى قولنا : « أسفل » هو أن يقع الإمعان من ناحية الجزئى ، يعنى من ناحية الموضوع . وإنما سماه جزئيا لأنه منطو تحت المحمول . ولم يرد هاهنا الجزئى الحقيقى ، لأن الجزئى الحقيقى ، الذى هو الشخص ، لا يحمل على شىء أصلا على المجرى الطبيعى . ولذلك كان هو الموضوع الأخير . وقال : « هو أن يقع الإمعان » - ولم يقل : الترقى ، إذ كان هذا أشبه بالنزول . ولذلك قال : « ومعنى قولنا : أسفل » . ولما وضع أن هاهنا محمولا أخيرا وموضوعا أخيرا ، أخذ يبين أن الأوساط < فيما بينها > غير متناهية ، فقال : « فلو كان عندما يحمل أعلى ز تكون الأوساط التى عليها علامة ب غير متناهية ، لكان ظاهرا بينا أنه قد يمكن الامعان من ب إلى أسفل بأن يحمل شىء على شىء بلا نهاية » - يريد : أنه لو فرض إنسان المتوسطات بين الطرفين ، اللذين وضعناهما وسلمنا أنهما محدودان ، غير متناهية ، لأمكنه أن يبتدئ من الظرف الذى هو أمثلا ، فيحمله على الأوسط الذى يليه ، وذلك الأوسط على الذى يليه ، ويمر الأمر فى الحمل هكذا إلى غير نهاية ، ولا يصل إلى الطرف الذى فرضناه أخيرا ، الذى فرضنا عليه علامة ز ، من قبل أن المتوسطات التى بين أوز غير متناهية . قم قال : « ولذلك أيضا إن أمعنا من ز إلى فوق لا نصل إلى أ، لأن الأوساط التى بينهما لا نهاية لها . وهذا غير ممكن » - يريد : وكذلك كان يعرض لنا لو ترقينا من الطرف الأوسط الذى هو ب إلى جهة أ[٩٩ ب ] لم نصل فى وقت من الأوقات إلى أ. وهذا غير ممكن ، لأنا قد وضعنا الأطراف متناهية . ولو كان الإمعان إلى غير نهاية لم يكن هنالك طرفان محدودان ، وقد كنا فرضناهما محدودين - هذا خلف لا يمكن . فإذن لا تكون الأوساط النى بين أوز غير متناهية . يريد : فقد تبين أنه لا تكون الأوساط بين طرفين محدودين غير متناهية . وليس لقائل أن يقول إنه يمكن أن يوجد بين طرفين متناهيين أوساط لا نهاية لها مثلما نجد الخط المستقيم ينقسم بين طرفيه إلى خطوط لا نهاية لها ، فإن ذلك ، الانقسام هو بالقوة والأوساط هى بالفعل . وليس يمكن أن توجد أشياء غير متناهية بالفعل هى التى يتبين بها أن الطرف الأكبر فى الأصغر ، بأن ينتهى من أحدهما فى الحمل إما على جهة الترقى ، وإما على جهة النزول . وهذا غير ممكن فى الأوساط التى بلا نهاية . ولما كان لقائل أن يقول : إنه ليس تلك الأوساط التى أخذناها بين أز بين كل اثنين منها أوساط لا نهاية لها ، بل بعضها ليس بينهما أوساط أصلا ، وبعضها بينهما أوساط بهذه الصفة ، أعنى أنها غير متناهية ، وكان المحال لازما عن الوضعين جميعا ، وذلك أنه لا فرق بين أن تكون الأوساط التى لا نهاية لها متوهمة بين كل حدين من تلك الحدود المتوسطة ، أو بين اثنين منها فقط ، أو أكثر من اثنين ، فى أنه لا يوصل فى وقت من الأوقات من الطرف المحمول إلى الطرف الموضوع - أردف قوله بأن قال : « ولا أيضا لو عارض معارض بأن بعض المتوسطات ، مثل ما بين أب ح يتبع بعضها بعضا ، ولا يكون بينهما وسط ، وبعضها لا سبيل إلى أن توجد كذلك » أى بعضها يكون بينها أوساط ، وبين تلك الأوساط أوساط إلى غير نهاية ، وبعضها ليس كذلك . ثم قال : « فإنه لا فرق بين الأول والثانى إذا اقتضب » - يريد : فإنه لا فرق بين هذا الوضع والوضع الأول فى المحال اللازم عنهما إذا اقتضب ، أى إذا وضع طرفين كيفما وضع الذى أراد الاقتضاب . قال : « نحو أكانت أو نحو ز » - يريد : فإنه لا فرق بين أن يضع الأوساط بين أوز غير متناهية ، أو يضع بينهما وسطا محدودا مثلا وهو ب ، ويجعل ما بين ب وأأوساطا محدودة ، وما بين ب وز غير محدودة ، أو بالعكس ، وهو الذى أراد بقوله : « نحو أكانت ، أو نحو ز » - يريد : كانت هذه الأوساط الغير متناهية نحو أ- أى بين أوب ، أو نحو ز ، - أى بين ب وز . ثم قال : « كان لا نهاية موجودة بين كل جزئين أو لم تكن كذلك ، أعنى ألا تكون بين كل حدين ، فإنه سواء كان بين كل حدين ، أو كان موجودا . وذلك أن الأشياء التى بعد هذه تكون بلا نهاية » - يريد : وسواء وضعنا بين كل حدين متوهمين [ ١٠٠ أ] من هذه الحدود حدودا لا نهاية لها ، أو توهمنا ذلك فى بعضها دون بعض فإنه لا فرق فى ذلك . ولما بين أنه ليس يمكن أن تقع أوساط لا نهاية لها فى المطالب الموجبة ، أخذ يبين أن الأمر كذلك فى المطالب السالبة .
٢١ - < المتوسطات فى البراهين السالبة ليست غير متناهية >
Page 435