وقال بعضهم قد ذم الله تعالى الأمل وطوله وقال: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) وقال علي رضي الله عنه " ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. وقال أنس رضي الله عنه: " خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال هذا الإنسان وهذا الأمل وهذا الأجل، فبينما هو كذلك جاءه الخط الأقرب " وهو أجله والمحيط به وهذا تنبيه على تقصير الأمل واستقصار الأجل خوف بغتته ومن غيب عنه أجله فهو جدير بتوقعه وانتظاره خشية هجومه عليه في حال غرة وغفلة فليرضى المؤمن نفسه على استعمال ما نبه عليه ويجاهد أمله وهواه فإن الإنسان مجبول على الأمل. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطا لي أنا وأمي، فقال: ما هذا يا عبد الله؟ فقلت: يا رسول الله قد وهى، فنحن نصلحه. فقال: " ما أرى الأمر إلا أقرب من ذلك " نسأل الله العظيم أن يلطف بنا وأن يزهدنا في الدنيا وأن يجعل رغبتنا فيما لديه وراحتنا يوم القيامة إنه جواد كريم غفور رحيم.
علامة الإيمان
41 - عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
......................................................
هذا الحديث كقوله سبحانه وتعالى؛ (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) الآية وسبب نزولها " أن الزبير رضي اله عنه كان بينه وبين رجل من الأنصار خصومة في ماء فتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اسق يا زبير وسرح الماء إلى جارك يحضه بذلك إلى المسامحة والتيسير فقال الأنصاري إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير احبس الماء حتى يبلغ الجذر ثم سرحه " وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشار على الزبير بما فيه مصلحة الأنصاري، فلما أحفظه الأنصاري بما قال أي أغضبه استوعب للزبير حقه الذي يجب له فنزلت هذه الآية.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر إنه قال: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " قال أبو الزناد هذا من جوامع الكلم لأنه قد جمع في هذه الألفاظ اليسيرة معاني كثيرة لأن أقسام المحبة ثلاثة محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ومحبة استحسان ومشاكلة كمحبة سائر الناس فحصر أصناف المحبة.
قال ابن بطال ومعنى الحديث والله أعلم أن من استكمل الإيمان علم إن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأن بالرسول صلى الله عليه وسلم استنقذه الله عز وجل من النار، وهداه من الضلال.
والمراد بالحديث بذل النفس دونه صلى الله عليه وسلموقد كانت الصحابة رضي الله عنهم يقاتلون معه آباءهم وأبناءهم وإخوانهم، وقد قتل أبو عبيدة أباه لإيذائه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرض أبو بكر رضي الله عنه يوم بدر لولده عبد الرحمن لعله يتمكن منه فيقتله. فمن وجد هذا منه فقد صح إن هواه تبع لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
سعة مغفرة الله تعالى
42 - " عن أنس رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح " .
......................................................
في هذا الحديث بشارة عظيمة وحلم وكرم عظيم وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان والرأفة والرحمة والامتنان، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم بضالته لو وجدها " .
Page 36