دين الأنبياء واحد وهو الإسلام مع اختلاف الشرعة والمنهاج
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف:٤٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:٢٥]، وقال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى:١٣]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون:٥١ - ٥٢]، فأمر الرسل بإقامة الدين وألا يتفرقوا فيه، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: (إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد، والأنبياء إخوة لعَلاَّت، وإن أولى الناس بابن مريم أنا؛ ليس بيني وبينه نبي)].
هذا الحديث يؤكد مسألة وحدة الدين عند الأنبياء من حيث إنه عقيدة، وأن اختلاف الشرائع لا يعني اختلاف الدين، وإن اختلاف أحوال البشر وحاجاتهم هو فيما يتعلق بالأوامر والنواهي من الله ﷿، وإن الدين عند الله الإسلام، وأن أصول الدين وثوابته واحدة، ولذلك حتى أغلب المحرمات والمباحات أصولها واحدة عند الأنبياء، وإنما تفاصيلها هي التي تختلف، وقد يكون الله ﷿ يحرم على بعض الأمم بعض الحلال القطعي من باب العقوبة لهم، كما فعل مع بني إسرائيل، لا من باب أنها في أصلها حرام، فقد يحرم عليهم بعض الطيبات؛ لأنهم ارتكبوا ما أوجب العقوبة عليهم، ولذلك لما بعث الله عيسى ﵇ بعثه ليخفف عن بني إسرائيل بعض ما حرم عليهم من الأمور الحلال، فتبقى تفاصيل الشرائع لتنظيم أحوال البشر في وسائل حياتهم، وهذا راجع إلى ما تحتاجه كل أمة بحسب الزمان والمكان، واختلاف الشرائع لا يعني اختلاف الدين، فالشرائع في عقيدتها واحدة، وفي أصولها أيضًا واحدة، وهذا معنى كون الأنبياء إخوة.
قال: (لعلات) أي: لضرات، يعني: كالإخوة من نساء متعددات والأب واحد، فالتعدد هنا تعدد الشرائع، والأصل الموروث عن جميع الأنبياء هو العقيدة الواحدة، وهذا معنى قول النبي ﷺ: (وأنا أولى الناس بابن مريم)، يعني: أنا على ديني وهو على دينه، ولأنه ليس بينه وبينه نبي؛ لأنه ما من نبي إلا وقد أمر بأن يؤمن بمن بعده، فهذا عيسى ﵇ قد أوصى أمته بالإيمان بمحمد ﷺ، وأعطاهم تفاصيل خبره وصفته وأحواله ومبعثه ومهجره، وأعطاهم من الأوصاف ما يوجب عليهم ضرورة الإيمان به، لكنهم كذبوه.
لكن قد وجد من يشكك في هذا الأصل من بعض الكتاب، فقد رأينا كتابات عجيبة في هذه الأيام، وقبلها أيضًا بسنين، فهناك من ادعى أنه قد وجد أنبياء في بني إسرائيل أو في النصارى بعد عيسى ﵇، وأن هؤلاء الأنبياء فعلًا هم على دين عيسى، وما بدلوا وما حرفوا، وهؤلاء الأنبياء هم بعض من جاء من الحواريين أو من دونهم، فزعموا أنهم أنبياء، ولا يزالون يصفونهم بأوصاف النبوة، وهذا كذب، فليس بعد عيسى ﵇ نبي ولا رسول؛ لأن هناك من يقول: الرسالات قد ختمت، لكن النبوة قد وجدت بين محمد ﷺ وعيسى ﵇، فهذا يخالف قطعيات النصوص.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذا الدين هو دين الإسلام، الذي لا يقبل الله دينًا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، فإن جميع الأنبياء على دين الإسلام، قال الله تعالى عن نوح: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس:٧١] إلى قوله: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس:٧٢]، وقال عن إبراهيم: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة:١٣٠] إلى قوله: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة:١٣٢]، وقال عن موسى: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يونس:٨٤]، وقال في خبر المسيح: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [المائدة:١١١]، وقال فيمن تقدم من الأنبياء: ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّ
22 / 6