131

============================================================

(المرصد الرابع في إثبات العلوم الضرورية) أي بيان ثبوتها وتحققها والرد على منكريها، ولا بد لنا من ذلك (إذ إليه المنتهى) فإن العلوم الكسبية من العقائد الدينية وغيرها تنتهي إليها، وهي المبادئ الأولى ولولاها لم نتحصل على علم أصلا (وأنها تنقسم إلى الوجدانيات) وهي التي نجدها إما بنفوسنا، أو بآلاتنا الباطنة. كعلمنا بوجود ذواتنا وخوفنا، وغضبنا ولذتنا، وألمنا وجوعنا وشبعنا. (وإنها قليلة النفع في العلوم لأنها غير مشتركة) أي غير معلومة الاشتراك يقينا (فلا تقوم حجة على الغير) فإن ذلك الغير ربما لم يجد من باطنه ما وجدناه (وإلى الحسيات) أراد بها ما للحس مدخل فيها، فيتناول التجربيات والمتواترات، وأحكام الوهم في المحسوسات والحدسيات والمشاهدات (والبديهيات) قول: (أي بيان ثبوتها وتحققها) ليس المراد تحققها في نفسها فقط بل حصولها في النفس واتصافها بها.

قوله: (وأنها تنقسم الخ) بفتح الهمزة عطف على إثبات العلوم فهو كالتفسير له أي إثبات أنقسامها إلى اقسامها المذكورة، وقوله: إنها قليلة بكسر الهمزة جملة معترضة لبيان عدم التعرض لإثباتها، وكذلك قوله: فهذان القسمان هما العمدة معترضة بالفاء سبب التعرض لإثباتها والرد على منكريها.

قوله: (وإنها قليلة النفع) لإفادتها العلم لصاحب الوجدان: قوله: (أي غير معلومة الاشتراك) صرف المتن عن ظاهره لأن غاية الآمر عدم العلم بالاشتراك لا انتفاء الاشتراك ثم عدم العلم أيضا اكثري، وإلا فبعض الوجدانيات معلوم الاشتراك كعلمنا بوجود ذواتنا، ولذا يستدل بالوجدان في بعض المطالب ولقلته وندرته لم يصح بكونها حجة عند اشتراك الوجدان، وأشار إليه بكلمة ربما، وقال المصنف: إنها قليلة النفع لقلة مواد اشتراكها.

قول: (والحدسيات) أدرجها في الحسيات إما بناء على ما سيصرح به فيما بعد من أنه لا قوله: (في إثبات العلوم الضرورية) أي إثبات انواعها ولا بد من هذا الإثبات، لأن بعض المطالب منته إلى بعض معين منها، والبعض الآخر إلى البعض الآخر، فلا يكفي إثبات مطلقها بل يحتاج إلى إثبات اقسامه ليصح الاحتجاج في مطلوب مطلوب، فلا يرد أن هذا قد علم مما سبق من حيث بين ان الكل ليس بنظري على ان الإثبات يجوز أن يكون من الثبات، وهو إنما يحصل بدقع شبهة الخصم.

قوله: (والحدميات) قيل: إدراج الحدسيات في الحسيات التي للحس الظاهر مدخل فيها محل بحث، لأن بعض الحدسيات بالنسبة إلى بعض الأشخاص نظرى بالنسبة إلى آخر، مع أن

Page 131