شرح الآجرومية - محمد حسن عبد الغفار
شرح الآجرومية - محمد حسن عبد الغفار
Genres
شرح المقدمة الآجرومية - فضل تعلم اللغة العربية
القرآن الكريم هو دستور هذه الحياة، فهو كلام الله جل في علاه، نزل بلسان عربي مبين، ولا يتم تفسيره إلا بتعلم اللغة التي أنزل بها، نحوًا وصرفًا وغيرهما، وبوضع قواعد وأصول تحفظ للمسلمين لغتهم ودينهم، وكتاب الآجرومية من الكتب التي صنفت لجمع قواعد النحو، وهو أول سلم لطالب العلم في معرفة النحو.
1 / 1
فضل تعلم اللغة العربية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١]، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:
1 / 2
أهمية التمسك بالقرآن وفهم معانيه
القرآن الكريم هو دستور هذه الحياة، والقرآن الكريم هو شرف هذه الأمة، ولا تعتز الأمة إلا بالتمسك بهذا الكتاب العظيم، الذي هو كلام الله جل في علاه.
إن الله جل في علاه أناط الشرف والقيادة والسيادة والريادة لهذه الأمة بهذا الكتاب، حيث قال جل في علاه: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء:١٠] أي: إن شرفكم وعلوكم وسيادتكم وقيادتكم وريادتكم لا تكون إلا بالكتاب.
ووافقت هذه الآية قول النبي ﷺ: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي) ألا وهو كتاب الله وسنة النبي ﷺ.
والسنة لا يمكن أن تفترق عن الكتاب، فكتاب الله هو عز هذه الأمة، والتمسك بكتاب الله شرف هذه الأمة، والقيادة والسيادة والريادة لا تكون إلا بهذا الكتاب، ولذلك قال عمر بن الخطاب عندما أرسل باعثه إلى مكة وجاء له بالوالي فقال له: من تركت أو من خلفت في مكة؟ قال: فلانًا من الموالي، قال: أتركته يتسيد عليهم؟ قال: إنه يحفظ كتاب الله ويعلم الفرائض، فقال له عمر: قال رسول الله ﷺ: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويخفض به آخرين).
فالناس يرتفعون لفهمهم كلام الله جل في علاه ومراد الله في كتابه، وهذا لا يكون إلا باللغة العربية، ولذلك فإن عمر بن الخطاب كان يضرب بالدرة على ذلك، ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن.
ونحن أعاجم لسنا بعرب، فكثير من كلمات المصنفين لا نستطيع أن نعرف معانيها إلا بالرجوع إلى المعاجم اللغوية، فاللغة العربية لها أهمية قصوى؛ لأنها من علوم الآلة التي بها استقامة اللسان، واستقامة اللسان ممدحة في الشرع، وكذلك العقل عن الله جل في علاه وفهم كلام رسول الله ﷺ.
واللغة العربية فيها التقديم والتأخير، فيتقدم المفعول على الفاعل والخبر على المبتدأ، وهذا يجعلك تتوسع في فهم كلام الله جل في علاه، فعندما يقرأ القارئ قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر:٢٨] فإن لم يعرف المفعول من الفاعل ولم يعرف سهولة هذه اللغة التي فيها التقديم والتأخير، وأن هذا التقديم فيه أسلوب الحصر، فإنه لا يعرف مراد الله جل في علاه، فيتعجب العامي من سماع هذه الآية ويقول: إن الله يخشى منهم؟ فهذا من الفحش؛ لأنه أخطأ ولم يتعلم العربية، فلو علم أن المفعول يتقدم على الفاعل علم معنى الآية، فـ (الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والعلماء: فاعل، فهم الذين يخشون الله جل في علاه.
ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا﴾ [الحج:٣٧].
فالتقديم والتأخير عندما يعرفه المسلم فإنه يفهم ويعقل عن رسول الله ﷺ مراده، ولذلك كان من الأهمية تعلم اللغة العربية، وكانت العرب قبل الإسلام أصحاب سليقة وفصاحة وبلاغة وشعر، فكان لهم علو كعب في اللغة العربية، وجاء الإسلام بفضل الله وبهذا الكتاب العظيم الذي ينظم ويرتب هذه اللغة ويجعلها في زيها الجميل الذي نراه الآن، والدين كله كان في الجزيرة العربية.
1 / 3
ذكر أصناف عرب الجزيرة
والعرب في الجزيرة العربية ينقسمون إلى عرب الشمال، وعرب الجنوب، ويسمى عرب الجنوب العرب العاربة وهم القحطانيون ومنهم الذين في اليمن أما عرب الشمال الذين هم من ولد إسماعيل وهم العدنانيون، واللغة التي كانت تجمعهم هي اللغة العربية، لكن كان هناك اختلاف في اللهجات، ولذلك نزل القرآن على سبعة أحرف كلها في اللغة العربية مع اختلاف ظاهره (فتثبتوا) كانت تقرأ (تبينوا) و(لامستم) تقرأ (لمستم)، و(أماناتهم) تقرأ (أمانتهم)، فهذا هو الخلاف في القراءات، ويجمعها أصول اللغة العربية.
1 / 4
تأثير الأعاجم على اللغة العربية
ولما دخل الإسلام جزيرة العرب ألبس اللغة الثوب الجديد، ثم بعد ذلك فتح الله الأمصار على يد المهاجرين والأنصار الذين رفعهم الله بتمسكهم بكتاب الله وسنة النبي ﷺ، فحدث الجهاد مع الأعاجم، ثم حصل السبي للعبيد والإماء، فلما دخل الأعاجم بلاد الإسلام أصبحت اللغة العربية يحدث فيها الغلط واللحن، فلما ظهر اللحن ابتدأ جهابذة اللغة والسنة والكتاب، وقالوا: لا بد من حفظ كتاب ربنا وسنة نبينا، ولا يكون ذلك إلا بالضوابط والقواعد النحوية؛ حتى لا يحدث اللحن في ديننا وفي كتاب ربنا، وهذا الذي أهال عمر بن الخطاب عندما جاءه أعرابي يطلب منه أن يقرأ عليه القرآن، فأخذه رجل ليعلمه القرآن فأضاعه، فقرأ في سورة براءة قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة:٣] بخفض لرسوله) فقال الأعرابي: أبرأ ممن برأ منه الله جل في علاه، أي: يبرأ من رسول الله ﷺ وهذه التي تهدم الدين بأسره، فلما قال الأعرابي ذلك وسمعه عمر قال له: لا تقرأ هكذا، فقرأ عليه «أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» [التوبة:٣] فقال: أبرأ ممن برأ منه الله ورسوله، ففهم الأعرابي لما شكل له التشكيل الصحيح فهمًا صحيحًا.
من هنا قال العلماء: إن عمر بن الخطاب أمر أبا الأسود الدؤلي أن يبدأ في وضع قواعد النحو والصرف.
وبعض العلماء قال بأن علي بن أبي طالب هو أول من أشار على أبي الأسود أن يضع القواعد في اللغة، ولا مشاحة في ذلك، فاللغة قد وضعت لها القواعد سواء بأمر عمر أو علي أو بسبب أبي الأسود الدؤلي.
1 / 5
أشهر علماء النحو واللغة
وأشهر النحاة الذين انبروا في ساحات اللغة عند أهل الإسلام منهم أبو الأسود الدؤلي وأيضًا أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وتلميذه العظيم في اللغة سيبويه وهذا الاسم فارسي، سيب معناه: التفاح، وويه: الرائحة، فإذًا سيبويه: رائحة التفاح، ونفطويه رائحة النفط أي: رائحة البترول، فأشهر النحاة سيبويه وأيضًا والفراء والكسائي.
ومهبط وضع قواعد اللغة كان في البصرة، وأهل العراق عندنا فرسان الميدان في اللغة وفي غيرها، فاللغة أصالة مهبطها البصرة، ولذلك ترى كثيرًا من المتمكنين يقولون: واختلف في هذه المسألة البصريون والكوفيون فأول علماء اللغة برعوا في البصرة، ثم تتلمذ على أيديهم أهل الكوفة، وأصبح الخلاف بين أهل الكوفة وأهل البصرة.
1 / 6
فضل علم النحو
وعلم النحو علم شريف عظيم، ولا يمكن لطالب علم أن يطلب العلم من دونه، كأن يطلب العلم والنحو ولا يجد في طلبه؛ لأنه من علوم الآلة، فهذا لا بد أن يعض عليه بالنواجذ، حتى وإن انتهى مثلًا من الآجرومية وما بعدها من تكملة الآجرومية، لأن الأهم هو أن يستقيم لسانه، وأن يعقل عن الله مراده، وكذلك عن رسول الله ﷺ.
1 / 7
الفرق بين النحو والصرف
وعلم النحو يبحث في الجمل، وعلم الصرف يبحث في بنية الكلمة، فعلم النحو يبحث في الجمل وينظر في أواخر الكلمة من حيث الرفع أو الخفض أو الجزم أو النصب، تقول مثلًا في كلمة القرآن: القرآن كلام الله، بالرفع، وقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء:٨٢]، بالخفض، وقوله تعالى: ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن:٢] بالنصب، والقرآن غير مخلوق، هذا أصل أصيل عند أهل السنة والجماعة، بخلاف أهل البدعة والضلالة كالمعتزلة.
فالأولى: (القرآن كلام)، القرآن مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
والثانية قال الله تعالى ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن:٢] فالقرآن: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة الظاهرة على آخره.
والثالثة: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء:٨٢] فالقرآن اسم مخفوض وعلامة خفضه الكسرة الظاهرة على آخره.
أيضًا نقول: يشرب محمد اللبن، ولن يشربَ محمد اللبن، ولم يشربْ محمد اللبن.
فيشربُ الأولى: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره؛ لأنه لم يسبقه ناصب ولا جازم.
ولن يشرب: فعل مضارع منصوب؛ لأنه سبقه ناصب وهو لن.
ولم يشرب: فعل مضارع مجزوم بالسكون؛ لأنه سبقه جازم وهو لم من أدوات الجزم.
فعلم النحو يبين لنا هذا التغيير ويفسره التدريب العملي، قال الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الفتح:٢٩]، وقول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًا ورسولًا)، فالأولى محمدٌ والثانية محمدًا، والثالثة محمدٍ، فالأولى مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والثانية اسم أن منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وأن حرف نصب، والثالثة اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والعامل هو الباء حرف الجر.
1 / 8
تعريف الكلام وشروطه
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع].
أي: الكلام في اللغة له قيود وشروط، حتى إذا أتتك الكلمات مضمومة مع بعضها تقول هذا كلام، فالكلام له معادلة رياضية، وهي لفظ + مركب + مفيد + بالوضع.
فشروط الكلام: أن يكون لفظًا مركبًا مفيدًا بالوضع، أي وضع اللغة العربية، فالشرط الأول أن يكون لفظًا: فاللفظ لا بد له من صوت يسمع وحرف، فخرج بذلك الإشارة والكتابة، فإشارة السيد إلى عبده، أو المدير إلى الفراش، أو إلى عامله أو إلى ساعيه، فإنها معروفة ومفهومة عند الناس، يستفاد منها أمره بالمجيء أو بالجلوس، لكنها ليست بكلام، لأنها ليست بلفظ.
الكتابة كأن يكتب رجل في ورقة: أريد طعامًا أو أريد من الماء، ويبعثها إلى عبده أو ساعيه، فإذا قرأها العبد أو الساعي فإنهما يفهمان من الكتابة فهمًا جيدًا، وهو أن سيدهما يريد منهما طعامًا أو شرابًا، لكن الكتابة لا تدخل أيضًا في الكلام؛ لأنها ليست بلفظ.
والشرط الثاني: أن يكون مركبًا، والتركيب: أن يتركب الكلام من كلمتين فأكثر، كأن تقول مثلًا: محمد كريم، زيد أسد، عمر شجاع، محمد رسول الله، الإسلام ديننا، فهذه الجمل مركبة من كلمتين فأكثر.
والتركيب له حالتان: إظهار وإضمار، فالإظهار مثل: محمد رسول الله، زيد كريم، عمر شجاع، محمد أسد، فالكلمة الثانية ظهرت.
والإضمار هو الذي لا تظهر فيه الكلمة الثانية، مثلًا: ننجح، فهذه كلمة واحدة فيها إضمار، والتقدير: نحن ننجح.
وكذلك يأتي اللاعب الذي يرى فارس الميدان ومعه الكرة، فيقول له: العب، والتقدير: العب أنت.
فالكلام إن كان من كلمتين أو أكثر فهو مركب، مثل: محمد رسول الله، زيد شجاع، أحمد أسد، فالكلمة الأولى انضمت إلى الثانية، فأصبح تركيبًا، أما الكلمات محمد وأحمد، وزيد، وعمر، والكرة، واللبن، والتفاح، فهذا ليس بكلام لأن الكلمات ليست مركبة.
والتركيب إما ظاهر وإما مضمر، أي: مستتر، والمستتر يوجد فيه الفعل ويضمر الفاعل، مثل: آكل، والتقدير آكل أنا، فأشرب اللبن، والتقدير: أشرب أنا اللبن.
والشرط الثالث: الإفادة: وهو الذي تستفيد منه جملة مفيدة، فلا تتطلع لشيء ثان، كأن يتكلم معك بجملة مكونة من مبتدأ وخبر، نحو: محمد كريم، أما لو قال: محمد ابن عمك، وسكت، فهذا ليس مفيدًا؛ لأن السامع ينتظر الخبر.
ومعنى أن يفيد: أن يحسن السكوت عنده، فلا يبقى السامع منتظرًا لشيء آخر، والإفادة تكون بشيء يعرف ويحسن السكوت عليه، كقول الله تعالى مثلًا: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ [البينة:٢] فنفهم من هذه الجمل أن محمدًا رسول الله يتلو الصحف التي أوحيت إليه من الله جل في علاه، ومثل قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤] فنفهم من هذه الجملة بأن الله الواحد الذي له صفات الجمال والكمال ونعوت الجلال لا يساميه أحد، ولا يمكن أن يكون أحد كفؤًا لله جل في علاه، فالكلام المفيد: هو الذي إذا وقفت عنده لا يطلب السامع منك أن تزيده كلامًا، فيحسن السكوت عنده بالوضع.
والوضع له معنيان: المعنى الأول: القصد، وهو أن القائل يقصد هذا الكلام، كأن يكون معه العصا؛ فقال: سأضرب زيدًا أو طالب العلم الكسول، أو الفاسق، أو العاصي، أي: فهو يقصد ذلك، فخرج من هذا القصد كلام السكران والمجنون والطفل.
فقصد الكلام هو فهمه وتعقله.
والمعنى الثاني: الوضع العربي أي: عند أهل اللغة الفصحاء البلغاء الأعراب، فإذا قيل لك يحرم عليك أن تقول: ضربت محمد، فهذا حرام لغة أي: لا يجوز في عرف أهل اللغة.
إذًا الكلام هو: اللفظ المركب المفيد بالوضع، والوضع له معنيان: المعنى الأول: القصد، فخرج منه كلام المجنون فلا يعتبر كلامه.
وكذلك السكران أو من ذهب عقله.
والمعنى الثاني: وضع أهل اللغة الفصحاء البلغاء الذين كانت لغتهم سليقة، فيؤخذ الكلام العربي منهم، أما إذا لم يكن في لغتهم ولا معروفًا عندهم فلا يؤخذ منهم، وأشهر ما يقال في ذلك قول القائل: قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق فالأشاعرة قالوا: الاستواء بمعنى الاستيلاء، فإن اللغة الأصيلة تدل على ذلك لقول الشاعر في البيت السابق.
فرد عليهم العلماء بأن هذا البيت ليس بعربي أصيل، فلا تعرفه العرب إنما هو لنصراني غير معروف عند أهل اللغة الفصحاء البلغاء.
1 / 9
شرح المقدمة الآجرومية - أقسام الكلام وعلامات الاسم
ينقسم الكلام إلى ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف، ولكل قسم علامات خاصة به، فللاسم خمس علامات: الإسناد، والجر، والتنوين، والنداء، وقبول الألف واللام.
2 / 1
أقسام الكلام
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أقسام الكلام ثلاثة: اسم وفعل وحرف، وهذا بالاستقراء والتتبع، أي: أن العلماء تتبعوا لغة العرب وذهبوا إلى الأعراب، وسافروا ورحلوا في الفيافي والقفار، حتى يعلموا لغة العرب.
ولا بد أن نعلم أنَّ النحو يهتم بالجملة، وأما الصرف فيهتم بالكلمة، فالجملة العربية جملتان: جملة اسمية، وجملة فعلية.
وهذه الجمل تتمثل في أقسام الكلام: اسم وفعل وحرف.
فالاسم: هو اللفظ الذي دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان، فلا يحتاج للزمان حتى يظهر معناه.
والفعل: ما دل على معنى في نفسه لكنه يقترن بزمان.
والحرف: لا يدل على معنى في نفسه ويدل على معنى في غيره.
2 / 2
علامات الاسم
وللاسم خمس علامات: العلامة الأولى: الإسناد، وهي أقوى ما يعرف به الاسم.
العلامة الثانية: الخفض عند الكوفيين، وعند البصريين الجر.
العلامة الثالثة: التنوين.
العلامة الرابعة: أن يقترن بالألف واللام.
العلامة الخامسة: أن يدخل عليه حرف النداء.
2 / 3
العلامة الأولى الإسناد، والأمثلة على ذلك
فالإسناد: أن يسند إليه اسم أو فعل، تقول مثلًا: نجح محمدٌ، فكلمة (نجح) أسندت إلى محمد، إذًا (محمد) اسم.
مثال آخر: أكل عمرو، (أكل) فعل أسند إلى (محمد) إذًا (عمرو) هذا أسند إليه فيكون اسمًا.
ضرب محمدٌ زيدًا، فالفاعل (محمد) يُعد اسمًا؛ لأنه أسند إلى فعل.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ [إبراهيم:٣٥]، القول هذا فعل أسند إلى (إبراهيم)، إذًا: (إبراهيم) اسم.
أيضًا قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ [يوسف:٤]، القول أسند إلى (يوسف)، إذًا (يوسف) اسم.
2 / 4
العلامة الثانية الجر وأقسامه، والأمثلة على كل قسم
العلامة الثانية: الجر.
والجر ثلاثة أقسام: الأول: جر بحرف، أي: بأن يسبقه حرف من حروف الجر.
الثاني: جر بالإضافة.
الثالث: جر بالتبعية، أي يكون تبعًا، والتبعية أربعة فروع: أن يكون نعتًا، فالصفة دائمًا تتبع الموصوف، أو يكون معطوفًا، أو يكون توكيدًا، أو يكون بدلًا؛ لأن البدل أيضًا يتبع المبدل منه.
وحروف الجر لا يمكن أن تسبق الفعل، فلا تستطيع أن تقول: إلى يشرب، مِنْ يأكل، مِنْ قُمْ، فِي قُمْ، فحرف الجر لا يسبق الفعل في أي حال من الأحوال، وأيضًا الفعل لا يمكن أن يكون مجرورًا، فالاسم علاماته المشهورة أن يقبل الجر، وأن تسبقه حروف الجر.
من الأمثلة على ذلك: قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة:٦٥].
وقال الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾ [الفاتحة:١].
وقال جل في علاه: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:٢٢].
فقوله تعالى: «قُلْ أَبِاللَّهِ» [التوبة:٦٥]، الباء سبقت (الله)، إذًا: (الله) اسم؛ لأنه سبقه حرف الجر.
وقوله تعالى: «وآياته ورسوله» مجرورتان بالتبعية وهي العطف.
وقوله الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:٢٢].
حرف الجر (في) سبق (السماء)، إذًا: (السماء) اسم.
وقال النبي ﷺ: (المدينة حرم من ثور إلى عير) فالاسم هنا: (ثور) لأنه سبقه حرف الجر (من).
وقال الإمام الشافعي: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله ﷺ.
فقوله: آمنت بالله، (الله) اسم؛ لأنه سبقه حرف الجر وهو الباء.
وقوله: وبما جاء عن الله، (الله) أيضًا اسم؛ لأنه سبق بحرف الجر (عن)، وقوله: وعلى مراد الله، (مراد) أيضًا اسم؛ لأنه سبقه حرف الجر (على).
والاسم إما أن يكون اسمًا خالصًا، أو اسم فعل كصه، وآمين، وهيهات.
وكلمة (الله) في قوله: (على مراد الله) اسم؛ لأنها مضافة إلى كلمة (مراد).
قال: آمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، وعلى مراد رسول الله.
فقوله: آمنت برسول الله: كلمة (رسول) سبقه حرف الباء، إذًا: (رسول) اسم، وقوله: (وعلى مراد رسول الله) (رسول) اسم، و(الله) اسم مجرور بالإضافة.
وقال الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ﴾ [الفاتحة:١].
اسم: من الأسماء سبقه حرف الجر الباء.
الله: من الأسماء؛ لأنه مضاف إليه.
الرحمن: اسم، صفة للموصوف، والقاعدة في العقيدة قلنا: الله إذا أسند إليه أي اسم آخر فالاسم يكون بالنسبة له صفة.
2 / 5
العلامة الثالثة التنوين، والأمثلة على ذلك
العلامة الثالثة: التنوين، وهو نون زائدة لفظًا لا خطًا، أي: لا تكتب نون ساكنة.
ومن الأمثلة على ذلك: قال الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح:٢٩].
محمدٌ: اسم؛ لأنه قبل التنوين، ولا يمكن للفعل أن يقبل التنوين بحال من الأحوال.
وقال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ [الغاشية:٨].
وجوه: اسم؛ لأنها قبلت التنوين، ناعمةٌ: اسم؛ لأنها قبلت التنوين.
وقال الله تعالى: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية:٤].
نارًا: اسم؛ لأنها قبلت التنوين.
حامية: اسم لأنها قبلت التنوين، وجاءت صفة.
مثال آخر: نقول: (من محمدٍ رسول الله إلى هرقل عظيم الروم أسلم تسلم).
محمدٍ: اسم؛ لأنه قبل التنوين، إذًا التنوين علامة من علامات الاسم.
2 / 6
العلامة الرابعة قبول الألف واللام، والأمثلة على ذلك
العلامة الرابعة: قبول الألف واللام، ولا يصح أن يدخل الألف واللام على الفعل بحال من الأحوال، فكلما ما رأيت لفظة تقترن بالألف واللام فقل: هذا اسم دون أن تتدبر المسألة.
تقول مثلًا: الأحمدون قادمون، الأحمدون: جمع الأحمد.
الزيانب صالحات، الزيانب: جمع الزينب.
قال الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ [الطارق:١ - ٣].
فالأسماء هنا: السماء، الطارق، النجم، الثاقب؛ لدخول الألف واللام.
فإذا قلت: اليشرب محمد اللبن، فهذا خطأ؛ لأن هذا ليس من الوضع العربي.
ومن الأمثلة على دخول الألف واللام على الأسماء: قال الله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل:١ - ١٠].
فالأسماء هنا: الليل، النهار، الذكر، الأنثى، الحسنى، اليسرى، العسرى.
إذًا: دخول الألف واللام أيضًا علامة من علامات الأسماء.
2 / 7
العلامة الخامسة أن يدخل عليه حرف النداء، والأمثلة على ذلك
أيضًا حرف النداء لا يدخل أبدًا على الفعل.
وحرف النداء يأتي ظاهرًا ومضمرًا، وإذا دخل لا يدخل إلا على الأسماء.
فمن الأمثلة على ذلك: تقول: يا محمد مر بي من الشارع، أو خذني إلى البيت.
وقال الله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات:١٠٤ - ١٠٥]، فكلمة (إبراهيم) هنا: اسم؛ لأنه قبل حرف النداء.
وقال الله تعالى: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي﴾ [الأعراف:١٤٤].
موسى: هنا: اسم؛ لأنه قبل حرف النداء.
دخل أعرابي يسمع له دوي يقول: يا محمد زعم رسولك، وأتم الحديث.
محمد هنا: اسم؛ لأنه قبل حرف النداء.
وأيضًا في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن جبريل جاء في صورة رجل غريب، لا يرى عليه أثر السفر، فدخل عليهم فجلس، فأسند ركبتيه إلى ركبة النبي ﷺ، ثم قال: يا محمد أخبرني ما الإسلام؟ إلى آخر الحديث.
فمحمد هنا: اسم؛ لأنه قبل حرف النداء؛ وحروف النداء هذه ظاهرة.
أيضًا يقبل حرف نداء مضمر، قال الله جل في علاه حاكيا عن قصة يوسف: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف:٢٩]، والتقدير: يا يوسف أعرض عن هذا، فهنا (يوسف) اسم؛ لأنه قبل حرف نداء.
قال الله تعالى: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ﴾ [الرحمن:٣١]، التقدير: سنفرغ لكم يا أيها الثقلان.
ومن الأمثلة على حرف النداء المضمر: قال تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾ [يوسف:٤٦] أي: يا يوسف يا أيها الصديق أفتنا.
قوله تعالى: ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ [الدخان:١٨] أي: أن أدوا إلي يا عباد الله.
2 / 8
تطبيقات نحوية على علامات الاسم
قال الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾ [البروج:١ - ٤]، الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج:١]، السماء: اسم؛ لأنه قبل الألف واللام وقبل الجر بواو القسم.
وذات: اسم؛ لأنها صفة.
البروج: اسم؛ لأنه مضاف إليه، وقبل الألف واللام.
واليوم: اسم؛ لأنه معطوف على (السماء)؛ ولأنه قبل الألف واللام، والموعود: اسم؛ لأنه قبل الألف واللام، ولأنه مجرور على التبعية (صفة).
وشاهد ومشهود: اسمان؛ لأنهما مجروران، وقبلا التنوين.
أصحاب: اسم؛ لأنه أسند إليه الفعل (قُتِل).
الأخدود: اسم؛ لأنه قبل الألف واللام، وقبل الإضافة.
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى:١٤ - ١٧]، أين الاسم؟ فقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى:١٤] من: اسم موصول بمعنى الذي؛ لأنه أسند إليه الفعل (أفلح).
وقوله تعالى: ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى:١٥].
(اسم): من الأسماء؛ لأنه مسند إليه الفعل (ذكر).
ربه: اسم؛ لأنه مضاف إليه، والضمير (الهاء) اسم مجرور بالإضافة.
قال الله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف:٧٧].
مالك: اسم؛ لأنه قبل حرف النداء.
ربك: اسم؛ لأنه مسند إليه (ليقض)، والضمير (نا): اسم؛ لأنه قبل حرف الجر (على).
قال النبي ﷺ: (لتمرن الظعينة من صنعاء إلى حضرموت لا تخشى إلا الله والذئب على الغنم).
الظعينة: اسم؛ لأنها قبلت الألف واللام.
حضرموتَ: اسم؛ لأنها قبلت حرف الجر (إلى)، لكن تجر بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنها اسم ممنوع من الصرف.
ومثلها قول القائل: خرجت من مساجدَ شتى، وتربيت في مساجدَ شتى، وذهبت إلى مساجدَ شتى فكلمة (مساجد): اسم؛ لأنها قبلت حروف الجر: من، في، إلى، لكنها مجرورة بالفتحة نيابة عن الكسرة؛ لأنها اسم ممنوع من الصرف.
وكذلك قولك: تزوج زيدٌ هندَ.
فزيد وهند: اسمان؛ لأن (زيدٌ) قبل التنوين والإسناد، و(هند) قبل الإسناد.
وقولك: ذهبت من البيت إلى المدرسة.
البيت والمدرسة: اسمان؛ لأن كلًا منهما قبل حرف الجر، والألف واللام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
2 / 9
شرح المقدمة الآجرومية - علامات الفعل والحرف
أقسام الفعل ثلاثة: ماض ومضارع وأمر، وللفعل علامات يتميز بها عن الاسم والحرف، وأما الحرف فعلامته ألا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، ولا يكون له معنى إلا عند ارتباطه بغيره.
3 / 1
حقيقة الفعل وأقسامه
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن تعلم العربية مهم؛ ولذلك فإن عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه كان يضرب على ذلك ويقول: تعلموا العربية فإنها لغة القرآن.
لقد تكلمنا عن الكلام وقلنا: إنه اسم وفعل وحرف، وتكلمنا عن الاسم، وبينا العلامات التي يعرف بها الاسم، واليوم سنتكلم بمشيئة الله عن الفعل والحرف والعلامات التي يتميز بها الفعل والعلامات التي يتميز بها الحرف.
الفعل يشمل حدثًا وزمنًا، مثل: ضرب، فالحدث الضرب، والزمن هو الماضي، وكيضرب مثلًا في الزمن المستقبل أو الحال، واضرب في الزمن المستقبل.
الفعل هو: ما دل على معنى في نفسه والزمن جزء منه، أو نقول: واقترن بزمان، سواء الزمان الماضي أو المضارع أو المستقبل.
والفعل له علامات إجمالًا وتفصيلًا: أما الإجمال فيعرف الفعل بتقدم (قد) والسين و(سوف)، وكلما وجدت (قد) فما يأتي بعدها فهو فعل وكذا إذا تقدمه (السين) و(سوف).
فمثلًا: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، فإعراب الجملة (قد): حرف تحقيق لا عمل له، وقام: فعل ماض.
والتاء: تاء التأنيث.
والصلاة: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
أو تقول: ﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ [النبأ:٤ - ٥]، القاعدة أن (السين) يأتي بعدها الفعل، إذًاَ: (يعلمون) فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة.
إذًا الفعل: هو ما دل على معنى في نفسه ويقترن بزمان، أو الزمان جزء منه، ويعرف بقد وبالسين وسوف.
3 / 2