330

Shama'il al-Rasul

شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

Maison d'édition

دار القمة

Édition

-

Lieu d'édition

الإسكندرية

Genres

ذلك، وكذلك السنة، وهو كذلك اعتقاد الصحابة كلهم جميعا، اسمع لقول كعب: (ولئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني)، أي أني لو كذبت عليك سترضى عني لأنك لا تعلم كذبي، لعدم علمك بالغيب، فإذا كان النبي ﷺ لا يعلم غيبا قد وقع أمره، فكيف يعلم غيبا لم يقع بعد، أو وقع قبل عصره، والغريب أن الصحابة مع تأدبهم الشديد مع مقام النبوة، لم يستح كعب أن يقول هذه المقولة، والتي تصرح أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب، فهذا ليس تنقيصا من حقه ﷺ بل رفعا لقدره، لأنه هو الذي علمهم ورباهم، ما يكون لله وحده، لا يشاركه فيه أحد، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وعجبت لمن يقول: ومن علومك علم اللوح والقلم!!!، فجعل من علوم النبي ﷺ علم اللوح المحفوظ، وكل ما كتبه القلم، أي أن هذا من علمه وليس كل علمه، والله إن هذا القائل ما أبقى لله شيئا يختص به من علم الغيب، والأعجب والأدهى أنهم يتقربون لله بذلك!!!، أقول لهم:
والله ما تزدادون بهذا الكلام إلا بعدا عن الله، وقربا من الشيطان، وأظن أن من اعتقد هذا الكلام قد خرج من حظيرة الإسلام، لأنه كذّب بالكتاب والسنة، وقد كررت هذا الكلام ومثله في مواضع كثيرة من هذا الكتاب حتى يتبين للناس الحق من الباطل، ويميزوا بين مقام الألوهية، ومقام النبوة، وما ينبغي إثباته للنبي ﷺ وما لا ينبغي إثباته، وهو ما تفرد به الله وحده، ألا تصدق الله- ﷿ في قوله: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس: ٤٠]، واللام هنا للاختصاص، أي: لله وحده الغيب، لا يشاركه في ذلك أحد، أم تكذّب قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الأنعام: ٥٩] .
الفائدة الثانية:
حرص النبي ﷺ على تربيته الأمة على العقيدة الصحيحة، والتي منها أن الأمر كله لله، يحكم بما يشاء وكيف شاء، ومتى شاء، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وذلك من قوله: «فقم حتى يقضي الله فيك»، والذي يقضي ويحكم هو الله وحده، فظل قلب كعب متعلقا بالله- ﷿ يسأله ويرجوه أن يقضي فيه بخير، وإذا تيقن العبد أن الله هو الذي يقضي، فكيف يؤمل في غيره، أو يرجو سواه؟ وهذا ما تعلمناه أيضا من القرآن في قوله تعالى: بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا [الرعد: ٣١]، وتقديم الخبر (لله) وتأخير المبتدأ (الأمر) يدل على التوكيد والاختصاص، وهذه التربية العظيمة من الرسول لأفراد هذه الأمة، لهي من أعظم ما يمتدح به النبي ﷺ ويثنى به عليه، أنه عبّد الأمة لله- ﷿.
الفائدة الثّالثة:
فيه تقدير الصحابة لمن شهد بدرا، وأنهم كانوا يرونهم قدوة لهم وأسوة، لقول كعب: (قد ذكروا لي رجلين قد شهدا بدرا، فمضيت حين ذكروهما لي)، وفيه

1 / 338