Le doute créatif : en dialogue avec les ancêtres
الشك الخلاق: في حوار مع السلف
Genres
ثم إننا نعيش الآن في عصر أو حضارة الإنسان العام المشارك إيجابيا، عن علم وقدره في إدارة شئون أمته مع مسئوليته عن الإنسان والبيئة في العالم. ويتناقص هذا مع الظروف التاريخية وحياة الاستبداد والقهر التي صاغت الإنسان المصري وباتت موروثا اجتماعيا وثقافة نافذة.
وحري أن نتخلى عن الالتزام بإنجاز ما أسميه المعادلة المستحيلة؛ ألا وهي نزعة المواءمة أو الجمع بين حضارة العلم والتكنولوجيا والعقل العلمي النقدي وبين الموروث الثقافي المتحجر الذي انتهى عصره . وإن أولى معالم الطريق إلى النهضة الحضارية إنما تتجلى بداية في سقوط هيبة السلف والفكر السلفي وعبادة السلف في أذهان العامة؛ ومن ثم إحلال ثقافة التغيير والتطوير باعتماد العقل العلمي النقدي؛ لذلك نؤكد دائما أن لا نهضة لمصر إلا بنهضة الفلاح المصري في قرى ونجوع الشمال والجنوب. هذا الفلاح هو مصر، الذي ظل يحمل على فوديه رسما نزعم سخرية أنه عصفور .. وهو حورس الحامي.
ثانيا:
اتساقا مع هذا نحن بحاجة إلى دراسة العلاقة العكسية بين الاستبداد والإبداع .. الاستبداد يصنع روبوتا فضيلته الطاعة دون حق السؤال، والحرية هي صانعة الإنسان .. الحرية كما يقول فيلسوف العلم دانييل دنيت هي القوة الحافزة للتطور الخلاق للحياة منذ نشأتها حتى بلغت مرحليا أعلى صورها في صورة الجهاز العصبي للإنسان.
ثالثا:
المثقفون المصريون مسئولون أولا وأساسا عن واقع حال مصر الراهن؛ إذ بدأ المثقف الحديث موظفا تابعا للسلطة الحاكمة وقد نشأ وتربى على ثقافة الطاعة، بينما المثقف المستنير هو من يحافظ على مسافة نقدية فاصلة بينه وبين ذوي السلطان - أي سلطة دينية أو سياسية أو عقائدية - لكي تتهيأ له فرصة الرؤى في عقل نقدي ينير بها الطريق إلى المستقبل.
رابعا:
سبق أن ذكرت في كتابي «أركيولوجيا العقل العربي» أن التراث الثقافي الذي عاش ممتدا في الزمان التاريخي الاجتماعي، وإن أخذ مسميات دينية لاحقة هو التراث الهرمي في مصر .. تراث هرمي مثلث المعظمات؛ لا يزال يقسم باسمه المصريون معظما ثلاثا، ويحمل هذا التراث صفات وخصائص البيئة والذهنية المصرية، وأراه تراث تحوت أو توت رب الحكمة والقلم في الديانة المصرية وإن حمل حينا اسما إغريقيا .. وأرى أن هذا التراث الحاكم للثقافة الشعبية السائدة التي امتدت مع حالة الركود الاجتماعي قرونا. وهذه الثقافة التي تصوغ ذهنية المصري هي التي تجهض إرادة وفعالية الإنسان لحساب قوة مفارقة لها القدسية والفعالية.
ويستلزم هذا تحولا حقيقيا وموضوعيا من ثقافة الكلمة والثبات إلى ثقافة الفعل والتغيير .. من ثقافة اللسان إلى ثقافة اليد والأداة. وهذا هو ما سينقلنا طبيعيا إلى ثقافة التناقض والحركة كشرط وجودي .. الحركة مع التناقض .. الفعالية بين النحن والآخر .. الانتقال من ثقافة الإقصاء المفضية إلى الانشقاق والانقسام؛ دائنا التاريخي؟ إلى ثقافة التناقض أو تلازم النقيضين؛ إذ إن ثقافة الحركة الفكرية والمادية في جدل مشترك مطرد لا تنشأ ولا تكون إلا بين نقيضين «نحن والآخر»، ووجود كل طرف رهن وجود الآخر؛ ولهذا نشأ الحوار الذي هو صراع في إطار الوحدة، أو حركة في إطار التناقض .. إن الصورة لا تكتمل ولا نفهمها إلا في دلالاتها الحركية؛ أي وجود النقيضين وإلا بدت مواتا .. وهل الحياة إلا حركة بين نقائض؟
ويكتمل ما سبق بالحديث عما اصطلحنا على تسميته أزمة الترجمة في العالم العربي. وسبق أن تناولت هذا تفصيلا في ضوء إحصاءات ذات دلالة سواء في كتابي «الترجمة في العالم العربي» أو في تقرير التنمية الإنسانية للأمم المتحدة 2003م. وتؤكد الدراسة أن الترجمة متدنية أشد التدني، وطالبنا بما سبق أن طالب به عميد الأدب العربي طه حسين من إنشاء مؤسسة عربية للترجمة. ولكن على الرغم من محاولات الإنقاذ وستر العورة وإنشاء مراكز ترجمة في عدد من البلاد العربية، مع رصد أموال ضخمة في بلدان الخليج إلا أنها تؤكد جميعا تشتت الجهود دون هدف استراتيجي جامع واضح مشترك.
Page inconnue