Le doute créatif : en dialogue avec les ancêtres
الشك الخلاق: في حوار مع السلف
Genres
وهذا تعريف يتسم بالدينامية إذ يدمج الإنسان كأحد مكونات البيئة الحضارية بسلوكه وفكره وقيمه، ويتسق مع التعددية والتطور في الزمان والتنوع في المكان.
تطوير المجتمع موقف من الحياة ونمط سلوكي في الاستجابة لتحديات الوجود، وفهم للذات ولدورها واستحقاقاتها الوجودية والمعرفية بشأن الواقع الراهن والمستقبل المنشود الذي يصنعه المجتمع بإرادته. وقد تكون التحديات رؤى وتخيلات من ثقافة موروثة حال انفصال الكلمة/الفكر عن الواقع، وقد تكون التحديات واقعا ماديا نشطا محليا وعالميا مثل واقع العلم والتكنولوجيا.
والتطوير الاجتماعي، أو النهضة، نمط من أنماط التكيف الذي هو آلية بقاء وتعزيز الوجود والهوية في إطار المنافسة وصراع الوجود. ويمثل التكيف هنا حلقة في سلسلة تاريخية ممتدة تجسد قدرة بشرية تتميز بالمرونة بدينامية الاستجابة إزاء التحديات الداخلية والخارجية مما يكفل للمجتمع مرونة ومناعة على الصعيدين الفكري والمادي، وقدرة على البقاء والعطاء.
والتطوير الاجتماعي، حركة هادفة وصاعدة للمجتمع من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى وأغنى للطاقة والفعالية والكيف أو الحالة الإنتاجية والتعقد والفهم والإبداع وفرص الاختيار والسيطرة والاستمتاع والإنجاز في إطار معايير حضارة العصر.
ويقتضي تطوير المجتمع في ضوء حضارة عصر الصناعة والمعلوماتية إطلاق وتوجيه مسارات طاقات جميع أبناء المجتمع عبر مزيد من التنظيم الاجتماعي المعقد بهدف تعزيز الطاقة الإنتاجية وتعظيم المخرجات؛ ولهذا تمثل عملية التطوير فكرا نقديا للموروث ومستقبلي التوجه والمسار، وتمثل أيضا إبداعا اجتماعيا ذاتي المنطق؛ وبذا لا تكون عملية التطوير محصلة عوامل خارجية محضة، وإن أفادت بها، وإنما تحمل خصوصيات ثقافة وتاريخ المجتمع، وتحمل طبيعة الوعي الاجتماعي بالتحديات وقبول لهذه التحديات والصراع ضدها.
ويمثل العلم، روح حضارة العصر، إنجازا فكريا نظريا وإنجازا ماديا ثقافيا في تلاحم وتطور مطرد. وأصبح العلم والتكنولوجيا هما قصبا السبق وفرس الرهان، وأساس التغيير والإنجاز والتمايز أو التفاضل بين المجتمعات وعماد البقاء والصراع. ولعل من أهم أدوات التطوير الاجتماعي مع العلم والتكنولوجيا رأس المال الموظف اجتماعيا نحو الهدف، والتنظيم المؤسسي لأنشطة المجتمع وما تتمتع به من حريات، والبنية الأساسية والسياسية والاجتماعية والتعليم والمهارات أو الخبرات الفنية ووقت الفراغ .. إلخ.
وجميع هذه الأدوات غايتها بناء الإنسان؛ أي تعظيم رأس المال البشري للمجتمع؛ كما وأنها ثمرة المجتمع. أعني أنها تشكل عملية مجتمعية مطردة في سياق صراع الوجود. وحتى لا نقع في خطيئة الشكليات والمظهريات يتعين النظر إلى ما وراء أدوات التطوير؛ أي إلى الإنسان/المجتمع المبدع لهذه الأدوات وخالق التكنولوجيا والفكر، مع التماس الشروط اللازمة للنجاح .. النجاح في بناء إنسان جديد.
وأعود إلى سؤالي الأساسي: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ المشكلة المأساة أننا عند محاولة الإجابة ظللنا أسرى التأمل النظري المجرد للمجتمع والواقع العالمي، وبقي السؤال سؤالا دون إجابة. لم ننظر إلى واقع حال المجتمع، والمجتمعات في وجودها التاريخي، ولم نقارن بين الوجود الحركي الدينامي المتغير وبين البقاء الساكن الراكد ونعرف أو نفكر في أسباب هذا وذاك ونصوغ فكرا علميا عن تطور المجتمعات وعن دور الإنسان العام صاحب الإرادة والمشاركة الفعالة وفق مقتضى حضارة العصر ونحدد معنى الفعالية .. فعالية الإنسان/المجتمع .. ولم نفكر في قانون صراع الوجود وأسبابه الطبيعية وأن المنافسة/الصراع هما قانون الوجود .. وغاب عن الأذهان معنى وضرورة التكيف كفعالية وإنتاج اجتماعي، وإنما قنعنا بالنظر المجرد في إطار الموروث المفارق زمانا ومكانا .. وحين يقع المجتمع أسير النظر المجرد، مع تعطل الفعل الإنتاجي الإبداعي الاجتماعي فإنه عمليا يقع أسير الفكر التقليدي الموروث، ويكون الوجود الاجتماعي عنده مجرد امتداد سكوني نمطي للماضي.
هذا على عكس تأمل الواقع في تغيره بفعل الإنسان نشأة وتكوينا وصيرورة، وتأمل الممارسة العملية والعمل الاجتماعي في مواجهة التحديات. ذلك لأن هذا الواقع الحي المتغير بفعالية الذات هو أساس ومعين التفكير الإبداعي .. تجديد الفكر وأدوات وأسلوب ممارسات العمل إزاء ظواهر الوجود؛ ولهذا السبب ترانا دائما نبدأ فكريا من جديد .. تمضي العقود وربما القرون، ونعيد الأسئلة ذاتها، ونعيد تأملها من خلال إطار فكري تقليدي. يحدث هذا مرارا لا لشيء إلا لأننا لم نتغير؛ أعني لأننا لا نعمل؛ إذ العمل الاجتماعي هو القوة الدافعة للتغيير، وقوة لتركيز الانتباه والفهم واستخلاص الفكر الجديد أي الإبداع.
وعشنا قرونا بغير مشروع وجودي، وقنعنا بالبقاء. والوجود غير البقاء .. البقاء اطراد عشوائي بينما الوجود مشروع راهن ومستقبلي، وفعل إرادي عقلاني، والفعل المجتمعي؛ أي العمل الاجتماعي هو أساس توليد الفكر المجتمعي المتجدد .. فكر جديد لصناعة مشروع الوجود .. ولكن الشعور أو الظن بأننا خير الأمم بمعايير الحياة الدنيا وتجلياتها وأنشطتها الحضارية يعني نهاية الفعل المجتمعي الذي هو قوة التغيير الهادف، ومن ثم نهاية لعملية توليد فكر جديد.
Page inconnue