ثم قال الكاتب: «إن شكسبير يعرض أيضا في مسارح الموسيقى، وقد عرضت له في سنة 1950 رواية عبد الله منغمة بتلحين فردي ... وليست مسرحيات شكسبير فرصة للممثلين وحسب، بل هي فرصة للمنشدين وخبراء الإلقاء، وقد كان جولبنتسيف
Golubentsev
عند عرض روميو وجولييت يلقي شذرات منها بين حين وحين.»
وقد ذكر الكاتب خمس روايات فكاهية لها حظوة خاصة بين نظارة التمثيل أو مستمعي الموسيقى، وهي روايات ترويض السليطة، والليلة الثانية عشرة، والعناء الضائع، وزوجات وندسور المرحات، وملهاة الأغلاط، ومنها ما يمثل في العواصم على مسارح الدولة.
وبعد، فإن روسيا وألمانيا وفرنسا هي الدولة الأوروبية الكبرى التي كانت تنافس إنجلترا في السيادة على القارة خلال القرن الذي استفاضت فيه لشكسبير شهرة عالمية أو شهرة أوروبية، وشأنها فيما نحن بصدده أن العناية فيها بالشاعر الغريب أدل على استقلال الفكرة الإنسانية أو استقلال رسالة العبقرية في عالم الفكر من نظائر هذه العناية في الأمم الأخرى، فهي فكرة تتخطى حواجز السياسة وتشق بين الأمم طريقها فهي غنية عن خطط السياسة ومساعي الحكومات.
أما فيما عدا ذلك فلا فرق بين كبار الدولة وصغارها في رعاية الأمم لحق الفكرة الإنسانية، فهي في جملتها تسهم بما عندها في أداء هذه الفكرة وتبليغها، فبدأ ڨردي بتلحين مكبث في سنة 1847 قبل أن تظهر لشكسبير ملحنة واحدة في بلاده، وتلاها بتلحين عبد الله المغربي، وزوجات وندسور، والملك هنري الرابع. وكانت ترجمات الروايات إلى اللغة الإيطالية تتلاحق من أواخر القرن الثامن عشر إلى هذه السنوات.
وليس في القارة لغة لم تترجم إليها روايات من شكسبير ولم تسهم في تمثيله أو إخراجه بنصيب ملحوظ، وقد أصبح الاشتراك في إحياء هذه العبقرية على صورة من الصور واجبا يتنافس فيه أبناء الأمم لغير ضرورة محتومة سوى الأنفة من فوات حصتهم في تلك العبقرية الخالدة، ففي بلاد البلجيك شعب من الفلمنكيين يستطيع أن يفهم شكسبير بلغة من اللغات التي يمثل بها على المسارح البلجيكية، فرنسية أو ألمانية، ولكنهم يغارون على لغتهم أن تخلو من ترجمة، ويغارون على مسرحهم أن تنقضي عليه سنة بغير عرض خاص باسم شكسبير، ومما يفخرون به أن مسرحهم لم يخل من عرض رواياته إلا في السنوات من 1914 إلى 1919 وهي سنوات الحرب العالمية الأولى. •••
وقد وصل شكسبير إلى الأمم الشرقية في الشرقين الأدنى والأقصى مع المسرح الحديث، وترجمت روايتاه الأوليان إلى اللغة العربية من الفرنسية، وهما: روميو وجولييت، وهملت. وسميت الأولى بشهداء الغرام.
وكان طلاب المدارس يدرسونه أجزاء متفرقة في سلك التعليم الثانوي في البلاد التي تقرر فيها التعليم باللغة الإنجليزية كالهند ومصر، ثم تقررت له دراسات مطولة في معاهد الدراسة العليا، وأصبحت قراءته من مطالعات البرامج المدرسية أو الجامعية، فعرفه طلاب الشرق كما عرفه طلاب الغرب على منهج هذه المطالعات.
ويتوق النقاد الغربيون كثيرا إلى العلم بأثر شكسبير في أذهان الشرقيين المتعلمين وغير المتعلمين، ويسألون عن هذا الأثر من قرأوه ومن شهدوا تمثيله في المسارح الوطنية والمسارح الأوروبية التي تمثله بمختلف اللغات، ويخيل إلينا أن أولئك السائلين يشعرون بخيبة الأمل كلما سمعوا جوابا لا غرابة فيه؛ لأنهم يتوقعون من الشرقي دائما أن يكون إنسانا غريبا: يرى بعين غير الأعين ويفهم بفكر غير الأفكار.
Page inconnue