وابتسمت وهي تنظر بعمق في عيني كاتي، فعادت الثقة فجأة في نفس كاتي: كيف حال جوني؟ - سيكون على ما يرام حين يصحو، ولكن لا تؤنبيه بحق المسيح حين يستيقظ، لا تؤنبيه يا كاتي. - ولكن يحق له أن يعرف الحقيقة. - لو سمعت أنك أنبته فسوف أبعده عنك، أقسم بذلك، بالرغم من أنني أختك.
وأدركت كاتي أنها تعني ما تقول، فارتاعت بعض الشيء وتنحنحت: لن أفعل ذلك، ليس هذه المرة.
وأمنت سيسي على كلامها، وهي تقبل وجنة كاتي قائلة: ها أنت ذي تنضجين نضج المرأة.
وشعرت بالأسف لها ولجوني سواء بسواء.
وحينئذ انهارت كاتي وأخذت تبكي، وانبعثت منها أصوات خشنة قبيحة لأنها كانت تكره البكاء، ولكنها لم تستطع أن تقاومه، فلم تجد سيسي بدا من الإنصات إليها، وأن تعود فتمر بكل ما مرت به مع جوني، ولكن معاناتها هذه المرة كانت من وجهة نظر كاتي، وعالجت سيسي كاتي بغير ما عالجت به جوني، كانت مع جوني رقيقة حانية حنان الأم لأنه يحتاج إلى ذلك، ولكنها تعلم القوة الفولاذية التي تكمن في أعماق كاتي، فاشتدت اشتداد الفولاذ حين فرغت كاتي من قصتها: إنك تعلمين الآن كل ما في الأمر يا سيسي، إن جوني سكير. - حسنا، لا يخلو إنسان من عيب، ففي كل منا نقص ما، خذيني مثلا، فأنا لم أشرب كأسا واحدة من الخمر قط في حياتي.
ثم قالت في صدق وجهل مطبق: ولكن هل تعلمين أن من الناس من يتحدث عني ويرميني بأنني امرأة سيئة السلوك؟ أتتخيلين ذلك؟ أنا أعترف أنني أدخن السجائر من حين إلى حين، ولكن كونهم يرمونني بسوء الخلق فهذا ... - نعم يا سيسي ... إن سلوكك مع الرجال يجعل الناس ... - لا تؤنبيني يا كاتي! فكل ميسر لما خلق له، وكل يعيش الحياة التي قدر له أن يحياها، وأنت يا كاتي قد وفقت إلى رجل طيب. - ولكنه يشرب الخمر. - وليشربن دائما حتى يموت، هذه هي الحقيقة، إنه يشرب، وعليك أن تغتفري ذلك بالقياس إلى ميزاته الأخرى. - أي ميزات أخرى؟ أتعنين بطالته وقضاءه الليل بطوله خارج البيت، والصعاليك الذين يتخذ منهم أصدقاء؟ - لقد تزوجته وانتهى الأمر، وكانت فيه ميزة أسرت قلبك، تعلقي بهذه وانسي الباقي. - لا أعلم أحيانا لماذا تزوجته! - إنك تكذبين! فأنت تعرفين لماذا تزوجته، لقد تزوجته لأنك ملت إليه، ولكنك كنت أكثر تدينا من أن تقتنصي فرصتك معه دون أن تزفي إليه في الكنيسة. - ماذا تقولين؟ كان الأمر كله لا يعدو أنني كنت أريد أن أنتزعه من فتاة أخرى. - كان ذلك هو الجنس ، وهذا شأنه دائما، فإذا كان سليما كان الزواج سليما، وإذا كان فاسدا كان الزواج فاسدا. - لا، هناك أشياء أخرى.
وسلمت سيسي قائلة: ما هي تلك الأشياء الأخرى؟ حسنا، ربما تكون هناك أشياء أخرى، وإذا كانت هناك أشياء أخرى سليمة، ففي ذلك نعيم أي نعيم. - أنت مخطئة، إن ذلك قد يكون هاما في نظرك ولكن ... - إنه هام في نظر كل إنسان، أو هذا ما ينبغي له، وهناك تصبح كل الزيجات سعيدة. - أوه! أعترف بأنني أحببت أسلوبه في الرقص، وأسلوبه في الغناء ومنظره. - أنت تقولين ما أقول، لكنك تتكلمين بلغتك الخاصة.
وفكرت كاتي كيف يمكن للمرء أن ينتصر على امرأة مثل سيسي، كانت تصور كل شيء بأسلوبها الخاص، ولعل أسلوبها في هذا التصوير كان أسلوبا مليحا، لست أدري، إنها أختي الشقيقة، ولكن الناس يلوكون سيرتها، إنها فتاة سيئة السيرة، وما من سبيل إلى تأويل ذلك، وسوف تهيم بوجهها حين يدركها الموت في المطهر أبد الآبدين، وطالما قلت لها ذلك فكانت ترد علي دائما بأن روحها لن تهيم وحدها في المطهر، إذا ماتت سيسي قبلي فإن الواجب يقتضيني أن أقيم قداسات لراحة نفسها، وقد تغادر روحها المطهر بعد حين؛ لأنها بالرغم مما قيل عن سوء سلوكها، كانت تفعل الخير لجميع من أسعده الحظ بلقائها، ولا شك أن الله سيجازيها على ذلك.
ومالت كاتي فجأة وطبعت على وجنة سيسي قبلة، ودهشت سيسي لأنها لم تجد سبيلا لمعرفة الأفكار التي تدور في رأس كاتي. - قد تكونين على صواب يا سيسي، وقد تكونين على خطأ، أما بالنسبة لي فقد انتهيت إلى هذا الرأي، إني بصرف النظر عن إدمان جوني للشراب أحب خلاله الأخرى جميعا، وسأحاول أن أحسن معاملتي وأتغاضى ...
وأمسكت عن الكلام، وكانت كاتي تدرك من أعماقها أنها ليست بالمرأة التي تستطيع أن تتغاضى.
Page inconnue