ويبدو أن تعليقاتها كانت سديدة ورشيدة، بحيث استولت على إعجاب الأستاذ والطلاب، قبل أن ينقطع المطر وتصفو السماء؛ فدعوها، عند انصرافها، للحضور في المستقبل للمشاركة في مثل هذه المناقشات والإدلاء بتعليقاتها الصائبة.
ولكن الأثر الذي تركته، في نفس «بيتي سميث»، تلك المناقشة التي ساقتها إليها المقادير، كان أضخم بكثير من الأثر الذي تركته «بيتي» في الأستاذ وتلاميذه؛ فقد فتحت هذه الحادثة العارضة عينيها على عالم جديد، بهرها واستهواها، فما إن كبر أطفالها وبلغوا سن الالتحاق برياض الأطفال، حتى قررت أن تتعلم تعليما جامعيا.
وواجهتها عقبة لا يستهان بها: وهي أنها لم تحصل من التعليم، من قبل، على ما يؤهلها رسميا لدخول الجامعة؛ فليست لديها أية إجازة مدرسية معترف بها. ولكن نفرا من كرام الأساتذة الذين عرفوا لها ألمعيتها - وعلى رأسهم الدكتورة «كلارنس كوك»، والبروفيسور «بيترجاك» - قاموا بتزكيتها، فقبلت طالبة بالجامعة «بصفة خاصة»، بيد أن ظروفها - كربة بيت، وأم، وعاملة كادحة - لم تسمح لها بأكثر من الانتظام في دروسها خمس ساعات فقط، كل أسبوع، فاقتضى ذلك منها أن تقضي عشر سنوات، في دراسة تستغرق في العادة أربع سنوات فقط!
وفي أثناء هذه الدراسة، كتبت مسرحية فازت بها - في إحدى المسابقات - بالجائزة الأولى! وبعد إتمام دراستها الجامعية في «ميتشيجان» التحقت بمعهد الدراما في جامعة «ييل» حيث كانت - خلال سنوات الدراسة الثلاث - محل احتفاء كبار الأساتذة بها، وفي مقدمتهم البروفيسور «جورج بيكر» الشهير، وفي غضون تلك المدة كتبت، وباعت حقوق تمثيل، أكثر من سبعين مسرحية من ذات الفصل الواحد!
وبعد سنوات من العمل في التأليف المسرحي، كتبت «بيتي سميث» تحفتها هذه: «شجرة تنمو في بروكلين»، التي أتمتها عام 1942م، فأرسلتها يومئذ بطريق البريد إلى دار «إخوان هاربر» للنشر، فكان أن نالت على الفور إعجاب لجنة القراءة بالمؤسسة، وحقق نشرها، بالفعل، نجاحا باهرا، ثم اشترت شركة «فوكس للقرن العشرين» حقوق إخراجها في السينما، وطبعت منها عشرات الطبعات «حتى إن الناشر كان يضطر إلى طبعها في أربع مطابع دفعة واحدة، كي يلاحق الطلبات التي تنهال عليه من المكتبات!».
وقد ترجمت الرواية إلى ست عشرة لغة، وتعتبر هذه الترجمة العربية هي السابعة عشرة في تلك القائمة المجيدة!
والآن، ما هي قصة الكتاب، بعد أن عرفنا قصة الكاتبة؟
إنها قصة «فرانسي نولان»، ابنة أسرة نولان، حيث الأب السكير «جوني نولان» الذي يجمع في طباعه بين عنصر الفنان الفاشل، وعنصر الخادم المتعطل، إنه أشبه بطائر كسير الجناح، لم يبق في ذيله من الريش إلا القليل، ولا بد له مع ذلك أن يحاول الطيران والتقاط الرزق رغم كل شيء!
أما الأم «كاتي نولان» فحارسة بيت من بيوت المساكن الشعبية، وهي التي تقوم بحمل عبء المسئولية، إنها «الرجل» الحقيقي في هذه الأسرة الصغيرة، هي التي تدبر، وترعى، وتعطف، ولا بد لها أيضا من عنصر الصلابة حتى تقود السفينة الصغيرة - فليس في حياتها متسع للعواطف الرقيقة - ولكن تحت صلابتها قلبا طيبا كبيرا.
وهناك أيضا الأخ الأصغر «نيلي» إنه الرفيق الحالم الذي تمارس «فرانسي» تجاهه منذ نعومة أظفارها دور الأم، وأمامها القدوة المثلى في الجلد والمثابرة؛ أمها «كاتي».
Page inconnue