وفكرت في السيدة ماكجريتي وكيف يسرت لها أن تجلس وتأكل ذلك الهلام، وطرأت لفرانسي فكرة! لقد عرفت فجأة ما الذي تغير في سيسي، وقالت لأمها: إن الخالة سيسي لم تعد تستعمل ذلك العطر النفاذ الجميل، أم تراها تستعمله يا أمي؟ - لا، إنها لم تعد بحاجة إليه. - لماذا؟ - لقد رزقت الآن بطفلة، وقيض لها رجل يرعاها ويرعى الطفلة.
وأرادت فرانسي أن تزيد في السؤال، لكن أمها أغمضت عينيها وأسندت رأسها إلى ظهر المقعد، وكانت تبدو شاحبة متعبة، فقررت فرانسي ألا ترهقها أكثر من ذلك، ورأت أنه ينبغي لها أن تفكر هي بنفسها.
وقالت بينها وبين نفسها: لا بد أن استعمال العطر النفاذ يرتبط - على نحو ما - بامرأة تريد طفلا، وتريد أن تجد رجلا تنجب منه طفلا يرعاه ويرعاها أيضا.
وأضافت تلك الفكرة الصغيرة إلى الأفكار الأخرى كلها التي مضت في جمعها.
وبدأت فرانسي تشعر بصداع لم تدر أيرجع سببه إلى فرحتها بحمل الطفلة، أم إلى اهتزاز عربة التروللي، أم إلى فكرتها عن أبيها، أم إلى اكتشافها لسر عطر سيسي، وقد يكون سببه أنها أصبحت تستيقظ مبكرة جدا في الصباح وتعكف على العمل طوال اليوم، أو لعل ذلك يرجع إلى حلول ذلك الوقت من الشهر الذي تستطيع فيه أن تلتمس سببا لهذا الصداع، واستقر رأي فرانسي على السبب، وقالت: حسنا! أظن أن الحياة هي التي تسبب لي هذا الصداع، وليس شيئا آخر.
وقالت الأم في هدوء، وهي تسند رأسها إلى الخلف، وتغمض عينيها: لا تكوني بلهاء، لقد كان مطبخ الخالة سيسي حارا جدا، وأنا نفسي أشعر بصداع.
وقفزت فرانسي، أيمكن لأمها أن تنفذ مباشرة إلى عقلها، وعيناها مغمضتان، ثم تذكرت أنها قد نسيت أنها تفكر، ونطقت فكرتها الأخيرة عن الحياة بصوت عال، وضحكت لأول مرة منذ وفاة أبيها، وفتحت أمها عينيها وابتسمت.
39
وثبت نيلي وفرانسي في دينهما في شهر مايو، وكانت فرانسي قد بلغت أو كادت الرابعة عشرة والنصف، أما نيلي فكان يصغرها بعام واحد تقريبا، وصنعت سيسي - التي كانت حائكة ماهرة - ثوبا بسيطا أبيض لفرانسي من الموسلين، وحاولت كاتي أن تشتري لها خفا أبيض من جلد الشاة، وزوجا من الجوارب الطويلة البيضاء المصنوعة من الحرير، هو أول ما لبست فرانسي من جوارب حريرية، وارتدى نيلي حلته السوداء التي اشتراها لجنازة أبيه.
وشاعت في الحي أسطورة تقول: إن المرء إذا تمنى ثلاث أمنيات في ذلك اليوم فسوف تتحقق، واقتضى الأمر أن تكون إحدى الأمنيات مستحيلة التحقيق، والأمنية الثانية تستطيع أن تحققها بنفسك، والأمنية الثالثة تتمناها حين تكبر، وكانت أمنية فرانسي المستحيلة هي أن يتحول شعرها المرسل البني اللون إلى شعر ذهبي مجعد كشعر نيلي، وكانت أمنيتها الثانية هي أن يكون لها صوت ندي مثل صوت أمها وإيفي وسيسي، وكانت أمنيتها الثالثة التي ستتحقق حين تكبر أن تجوب أنحاء العالم جميعا، أما أمنيات نيلي فكانت الأولى: أن يصبح ثريا جدا، والثانية: أن يحصل على درجات أعلى في التقارير التي تكتب في بطاقته، والثالثة: ألا يشرب الخمر كأبيه حين يكبر.
Page inconnue