فقال له التابع: خذه معك إلى الحجرة! - الحجرة؟ - ستذهبان معا إلى ذلك البيت القريب. - كلا! - لا تتأثر كالأطفال، انس ما رأيت بسرعة، اذهب، لن تندم أبدا، البنت مدهشة، والبكاء ما هو إلا حيلة نسائية مشهورة!
وهرولت الفتاة إلى البيت وهي تقول بإغراء: اتبعني، تاتا .. تاتا .. خط العتبة!
وقال له التابع: قم قبل أن يجيء الليل وتتقاطر أفواج الزبائن.
فقال بإصرار: كلا. - كف! .. أنسيت الطراز الذي يستهويك؟ - لا رغبة على الإطلاق! - لا تعقد الأمور. - دعني من فضلك. - لقد سجل في حسابها أول زبون، فلا تتسبب لها في ضرر. - سأدفع ما تطلبه؛ ولكني لن أذهب. - عشرة قروش، هذا حسن، ولكنك لن تستطيع مواجهة الحياة بقلب كالملبن! - ولكن .. أنت .. كيف هان عليك أن تلطمها بتلك القسوة؟ .. أأنت ولي أمرها؟ - إني ولي أمرها .. وأعمل لصالحها ولصالح الكل. - أتعد بكاءها على وليدها جريمة؟ - لا وقت هنا للبكاء .. إني الأمين على الصالح العام!
فضحك الشاب على رغمه وقال: إنك تذكرني بفعل وكلمات الطاغية! لشد ما تغيرت! - كف عن التفلسف والحق بها! - لشد ما تغيرت! - لا تقس في الحكم علي، إن أي ضعف يعترينا هنا إنما يعني هلاكنا! - وماذا يضطرك إلى الإقامة هنا؟ - مهما يكن من أمره فهو أفضل من العالم الآخر. - ما هو إلا مزاح! - حقا! .. أنسيت؟ .. أليس الطاغية يحكمكم؟ والشرطة تجلدكم؟ والجيش يحصدكم؟ والإنجليز يتربصون فوق رءوسكم؟ لا أحد يحكمني هنا، وأنا لا أستعمل القوة إلا دفاعا عن الصالح العام.
فقال الشاب وهو يلوح بيده في أسى: وجئت بغبائي لأطالبكم بالإضراب غدا! - دستورنا هنا لم يلغ ولا يمكن أن يلغى؛ إنه دستور أبدي، وهو يقضي بأن نعمل لا أن نضرب، أن نعمل لا أن نبكي موتانا، ووراء هذه الجدران المتداعية نقدم لأمثالك السعادة التي يحلمون بها.
فقال الشاب كالحالم: وا أسفاه! لم أعجز عن تحقيق ما أريد؟ - ماذا تريد؟
ولما لم ينبس عاد يسأله: ماذا تريد؟
فأجاب بصوت حالم أيضا: أشياء كثيرة، ما يهمني منها الآن أن أرجع تلك الفتاة إلى العالم الآخر!
فضحك التابع وقال: لقد كانت هنالك ولم تجد مناصا من هجره والمجيء إلى هنا. - من الممكن أن تتوفر لها حياة مستقرة هنالك. - صدقني لقد لاذت بنا كما يلوذ الغريق بصخرة!
Page inconnue