فضحك التابع ضحكة عالية وقال: والله زمان! .. فكرتنا بالذي مضى!
وجذبه من ذراعه فجلس وأجلسه على كرسي جنبه. وهنا قامت المعلمة وهي تقول للتابع: أنا ذاهبة، فتح عينك.
مضت خارج الدرب وقد وقفت النساء لها على الجانبين. التفت التابع نحو الشاب قائلا: متى رأيتك لآخر مرة؟ - منذ عامين؛ بل أكثر، أين اختفيت؟ كأنك هاجرت إلى الخارج! - وأنت .. ألا زلت غارقا في السياسة؟ .. ولكن كيف تريد لهذا الدرب أن يضرب؟! - إنه أعجب مكان رأيته في حياتي! - أما زلت تذاكر وتنجح وتشترك في المظاهرات؟ - وأنت! .. أين أنت؟ .. كم أوحشتني! - يخيل إلي أنك نسيتني! - أبدا، حتى والدك نفسه واتتني الجرأة مرة على أن أسأله عن مكانك ...
فضحك التابع وتساءل: وكيف أجابك؟ - نهرني، وحذرني من العودة إلى ذكر اسمك على مسمعه! - وكيف حال أسرتي؟ - بخير، ولكن لم انقطعت عن زيارتهم؟ - أليس لديك فكرة عن حينا هذا؟ - ولا عن أي شيء سوى الكتب والدستور! - باختفائك فقدنا أبهج صديق! - لعلك الوحيد من العالم الآخر الذي كنت أحن إلى رؤيته.
فنظر الشاب فيما حوله وقال: أوضح ما غمض علي أمره في هذا الدرب. - لكل شيء وقته، لا تتعجل! - أتقيم هنا؟ -نعم. - أتعمل هنا؟ - نعم. - وهؤلاء النسوة؟ - لطيفات وطوع الأمر! - مظهرهن فاقع مبتذل. - بدأت تفهم. - حقا! - وتطالبهن بالإضراب؟!
وضحك عاليا، وهم الشاب بالكلام ولكن الموسيقى عزفت بالقهوة فعادت الفتاة إلى الرقص. وانجذبت عيناه إليها بقوة، فتابع رقصها باهتمام وإعجاب. ثم شعر بعيني التابع تتجسسان عليه، فابتسم مرتبكا بعض الشيء وتمتم: فتاة جميلة! - حقا؟ - من الطراز الذي يستهويني! - ترى ما نوع هذا الطراز؟ - يصعب تعريفه، ولكنها ترقص في قهوة خالية! - مجرد تمرين؛ فالسهرة لم تبدأ بعد.
وتوقف العزف والرقص، وسرعان ما جاءت الراقصة وجلست إلى جانب التابع، وحمل إليها صبي فنجال قهوة فراحت تحتسيه بتمهل وتلذذ لا مبرر له.
حانت منها التفاتة إلى الشاب الجديد، فضبطت عينيه الصافيتين وهما ترنوان إليها بإعجاب لا خفاء فيه. وفي الحال وهبته عينيها بسخاء أذله وأثمله، فقال التابع وهو يتابع الحكاية باهتمام موجها خطابه للراقصة: صديقي معجب بك!
فقالت ببسالة: أرجو إبلاغه إعجابي أيضا!
فتساءل التابع ضاحكا: من أول نظرة؟ - نظرة كفاية وفوق الكفاية!
Page inconnue