ضعفت أمام طلعتها، فمسحت برفق على موجات شعرها، وغمغمت: بل من أجل اللاشيء. - ألا تخاف الوحشة في الخلاء؟
فهمست في أذنها: أرهقتني الوحشة في الزحام.
وتباعدت خطوة وهي تقول: أمس عثمان قال ...
فقاطعها برفق: ألم تفطني يا بنيتي بعد إلى أنني أصم؟
فغادرت الحديقة من الباب الخشبي القصير المغروس في سور اللبلاب والنرجس، واختفت عن الأنظار. وتنهدت في إعياء، وفتحت عيني في الظلام. ماذا يعني هذا الحلم إلا أنني لم أبرأ بعد من نداء الحياة؟ وكيف أفكر فيك طيلة يقظتي، ثم تعبث بمنامي الأهواء؟ •••
وعانقك مصطفى بحرارة ومرح، ثم نظر في عينيك نظرة حادة وحزينة. ورأيت مكان صلعته شعرا أسود غزيرا، مسترسلا إلى الوراء، فلم تملك أن تشير إليه قائلا: مبارك عليك شعرك، ولكن ماذا فعلت؟
فقال بجدية غير معهودة فيه: تلوت سورة الرحمن عند السحر.
فسألته بدهشة: ومتى عرفت الطريق إلى الرحمن؟ - منذ اعتزلت أنت العالم في هذا المكان. - ولم جئت؟ - لأقول لك: إن زينب تعمل بقوة عشرة من الرجال. - لها الله.
وألقى على البيت والحديقة والحقول نظرة، ثم قال: ما أجدر هذا البيت بأن يكون مهد غرام أو مثوى فنان!
فجفلت قائلا: ها أنت تعود إلى الهزل.
Page inconnue