ولكنها كانت راغبة في الحديث عن ماضيها؛ فقالت: كان أبي مدرس لغة إنجليزية، من المدرسين الذين لا ينساهم تلاميذهم. ولو كان على قيد الحياة يوم أعلنت رغبتي في دخول معهد التمثيل لشجعني وباركني، ولكن أمي سيدة متدينة جدا، وضيقة العقل جدا، فدخلت المعهد على رغمها، ولما قررت أن أحترف الرقص ثارت علي، وثار معها أخوالي وعم عجوز، وانتهى النزاع بالقطيعة، فهجرت أهلي. - وكيف عشت وحدك؟ - قاسمت زميلة من ممثلات المسرح بيتها.
وراح يداعب يدها البضة بإعجاب، ثم سألها: أكنت تحبين الرقص من أول الأمر؟ - كنت أحبه، ولكني حلمت بأن أكون ممثلة، وبذلت جهدي ولكني فشلت؛ فقنعت بهوايتي الأولى.
وتجهم وجهه وهو يسأل: وهل استبد بك يازبك؟ - الحق أنه ألطف من غيره، ولم أكن أجهل ما يعنيه العمل في ملهى ليلي.
ثم بحرارة صادقة: ولكنك حبي الأول والأخير.
فضمها إليه ضمة امتنان، وسأل: ولماذا لم ترجعي إلى أمك عقب فشلك في التمثيل؟ - كان قد فات الأوان، ولي كبريائي، وقد زاد من حدته الفشل.
الفشل! اللعنة التي تدفن ولا تموت. ما أفظع ألا يستمع لغنائك أحد، ويموت حبك لسر الوجود، ويمسى الوجود بلا سر، وتبعث الحسرات يوما لتخرب كل شيء!
وشهد مكتبه زيارات خطيرة من خاله وأخته الوحيدة، وضرعا إليه ألا يتزوج من «الراقصة». وقال له خاله حسين كرم المستشار: استمرار هذه العلاقة، سيحول دون اختيارك مستشارا يوما ما.
فقال له بشيء من الجفاء: ما فكرت في ذلك ولا أردته.
دافع عن سعادته بكل قواه، وبقوة اليأس الذي خنقه. وتبدى كطفل بريء دائم المرح، حتى قال له مصطفى ضاحكا: خبرنا الآن عن معنى الحياة .
فضحك عمر عاليا، ثم قال: هذا السؤال لا يلح علينا إلا حينما يفرغ قلبنا. - الرنين الأجوف لا يصدر عن إناء ممتلئ؛ ولذلك فالنشوة هي اليقين. ولذلك فإن أملي الأخير أن يجود الحب بنشوة دائمة.
Page inconnue