ها أنت محاصر في ركن صلد. - أمك أزعجتك أكثر مما يجوز. - قل إنها أوهام.
فرمقها بعتاب، ولكنها تجنبته ناظرة إلى النيل وهي تسأل: ليس هناك امرأة؟!
وإذا بالصوت الرفيع يعلو: امرأة!
رفعها هذه المرة إلى حجره كأنما ليحتمي بها، وراح يداعبها بشيء من العنف الأبوي الذي يناسب شقاوتها، ولكن بثينة قالت بلهفة: أريد جوابا يا بابا. - ماذا تظنين بوالدك؟ - إني أصدقك فتكلم ... وحياتي عندك تكلم.
ولكنها تجنبته ناظرة إلى النيل وهي تسأل: ليس هناك امرأة؟
وفي يأس شديد قال: لا شيء.
تهلل وجهها فاربد قلبه، والتمعت عيناها بفرحة ظافرة، فتجهمت الدنيا. وتجلى الخريف في الجو، وانتشر في أعالي الشجر اصفرار باهت، وعكست قوافل من سحب بيضاء نصاعتها فوق الماء الرصاصي. وتضمن الفراغ الخابي أنغاما صامتة من الرقة والحزن، وأسئلة مضنية عسيرة الجواب. وتضخمت كذبته حتى أنذرته بالعدم.
ومن شدة ضيقه زار مصطفى بمكتبه بالمجلة، وتجدد النقاش بلا نتيجة، وقال له مصطفى: لقد جاريتك وساعدتك على أمل أن يتبين لك عبث المحاولة، ولكنك غرقت.
فهتف متنهدا: ألا تعلم أني أعيش الفن الذي تلهفت يوما على خلقه؟
وأكمل مصطفى صفحة بين يديه، ثم بعث بها إلى المطبعة، وقال: كثيرا ما خيل إلي أنك تعاني أزمة حادة لفن مكبوت. فرفض ذلك بهزة من رأسه، وقال: لا، ليس الفن، ربما هو ما نلجأ بسببه أحيانا إلى الفن.
Page inconnue