فأجابت متحدية مقطبة: حتى من تأميم العمارات.
فقال بنبرة تقريرية مستسلمة: ما أجمل أن نتكيف مع مجتمعنا!
ولم تنبس بكلمة. ومرت أمام المجلس حسناء معجبة بنفسها؛ فخطف منها نظرة أشاعت في حواسه بهجة ياسمينية. - عندما أعود إلى حالتي الطبيعية، سأحاول أن أفهم الحياة فهما جديدا يقرنها بالسعادة الحقيقية. - لنسأل الله أن يحفظنا من كل سوء. - الله يحب أن نسأله الخير للناس جميعا.
واسترق إليها نظرة ماكرة، ثم قال ضاحكا: ولكن كيف يستجيب الله للدعاء في هذه الحال؟
وأدركت ما يعنيه، ولكنها لم تعلق بكلمة واحدة، وتناسى الموضوع كله، واستسلم لأفكاره. خف الوزن، ودب النشاط، ولكن ما أفظع القلق! الذباب، والعمل، والزوجة. ويوما ستجد بثينة ما يشغلها عنك، ومثلها جميلة التي تشيد الأهرام من الرمال. خبرني بالله، ماذا تريد؟ ولماذا يخيم الصمت رغم الضجيج؟ ولم يتنبأ شيء في صدرك بمخاوف هوائية؟ وفي كل لحظة تشعر بأن صلة تتمزق محدثة صوتا مزعجا، وأن قائما يتزعزع، وأن أسنانك توشك أن تتساقط. وسوف تفقد الوزن في النهاية، وتسبح في الفضاء. اشدد قبضتك على الأشياء، وانظر إليها طويلا؛ فعما قليل ستختفي ألوانها، ولن يكترث لك أحد. وها هي الأمواج تطيح بأهرام جميلة المشيدة من الرمال، والهواء يطير الصحف التي لا حقيقة ثابتة فيها إلا صفحة الوفيات. ويقول لك الرجل: «هذه هي قضيتي أعهد بها إلى سيد المحامين.» يا للسخرية! ... لم يبق لنا، يا حضرات المستشارين، إلا أن نعمل معا في السيرك القومي. - لماذا تسرح يا عزيزي؟ - لا شيء. - هل أنت بخير تماما؟ - أظن ذلك. - ولكن خبرتي الطويلة بك تقول إنك في حاجة إلى عناية. - يجب أن نحترم الخبرة. - هل أحدثك عن رأي الطباخة؟ - وهل للطباخة رأي؟ - قالت إن الرجال السعداء الناجحين عرضة للعين. - وهل تصدقين ذلك؟ - كلا طبعا، ولكن الحيرة تحملنا أحيانا على تجربة أي شيء. - إذن، فما عليك إلا تتفقي مع شيخة زار! - ألا ترى أن السخرية لم تكن من شيمتك؟
فقال باسما: قليل من السخرية يفيد ولا يضر. - لن أثقل عليك يا عزيزي.
وهم عائدون تأخرت به قليلا عن البنتين، وقالت: إليك خبرا سارا.
تطلع إليها في يأس خفي: اكتشفت في بثينة شيئا لم يكن في الحسبان! - غير ما اكتشفت في العام الماضي؟ - بلى، إنها يا عمر شاعرة!
رفع حاجبيه الكثيفين في دهش: نعم ... لاحظت انهماكها في الكتابة، وأنها تمزق ما تكتب، ثم تعيد كتابته، وأخيرا اعترفت لي بأنها تكتب شعرا، فضحكت وقلت لها: ...
وترددت، فسألها: ماذا قلت لها؟ - قلت لها إنك بدأت كذلك شاعرا.
Page inconnue