Poète Andalou et un Prix Mondial

Abbas Mahmoud El Akkad d. 1383 AH
53

Poète Andalou et un Prix Mondial

شاعر أندلسي وجائزة عالمية

Genres

وبهذا الوضع الصحيح تصبح الديمقراطية أرستقراطية المستقبل، وينقضي ذلك التاريخ العتيق الذي جعل الحكم الأرستقراطي مرادفا للماضي المهجور أو مرادفا للأنساب التي طواها التراب؛ فإنما الأرستقراطية المرجوة غدا حق الأبناء والأحفاد، وليست هي بحق مدفون مع الآباء والأجداد. •••

ويتجلى صدق الشاعر في هذا الإيمان بهذه العقيدة؛ لأنه الإيمان الوحيد الذي يلائم طبيعته الهادئة ويلائم ذوقه الفني وعطفه المطبوع. فلا إيمان له بالحاضر الضائع بين زعازع الفوضى ونقائض الولاء والعداء من كل فريق لكل فريق، ولكن إيمانه بالغد يقين بأن الزمن معه وأن أطراف الخصومة في هذه الأيام لا يملكون فصلا مرضيا لما اختصموا فيه قبل موعده المنظور، وأن الأمل في التطور.

أتراه قد آمن بأن الجهاد في طرف من أطراف النزاع عبث باطل؛ لأنه فطر على الوداعة والهدوء، ولم يفطر على الخصومة والجهاد؟

وقد تكون فطرته وراء إيمانه بتطور الغد ووراء نفوره من صراع اليوم.

ولكن إيمانه بتطور الغد لا يبطل لهذا السبب، وليس مما ينقضه أن خصوم اليوم فطروا على غير الوداعة والهدوء، فلعله أنهض منهم حجة؛ لأن إيمانه بالغد يبرئه من شبهة الغرض، ويدفع عنه تهمة التشيع لهذا المعسكر أو لذاك لمأرب موقوت يشغله عن النظر البعيد.

ولما انتهى إلى الإيمان الوثيق بالتطور وجد نفسه في أحضان الطبيعة بالمكان القرير الذي لا تعجله عنه صيحة من اليمين أو صيحة من اليسار.

وفي أحضان الطبيعة سكن إلى حياة الريف، وأيقن أن الأمل الكاذب هو الأمل الذي لا ينبت في هذه التربة ولا يترعرع فيها كما يترعرع النبت المثمر في أوانه، ولن تعجله صيحة من اليمين أو اليسار أن يثمر قبل الأوان.

ومن الريف شعاره الذي دان به في عمله وفي نصيحته لطلاب العمل من تلاميذه ومريديه: أنك إن تعجلت جرى الزمن أمامك كالفراشة التي لا تدرك، وإن تأنيت أخذت بعنان الزمن فمشى وراءك مشية المطية الذلول.

وعلى كره شديد كان ينصح تلاميذه ومريديه بغير هذه النصيحة إذا ألحفوا عليه بالسؤال، فعلى الشباب أن ينضوي أبدا إلى جانب التطور المتقدم، كما قال لبعض سائليه من الأمريكيين الجنوبيين، ولكنهم في حل من العجلة إذا اختنقوا؛ فإن التنفس هو الحركة التي لا تقبل الإرجاء، ولا بقاء بغيرها لحي من الأحياء. •••

وربما كان خيمنيز هو الوحيد الذي نجا بسمعته القوية من غوائل الحرب الأهلية بين أنداده من أعلام الأدب في اللغة الإسبانية؛ فإن الحروب الأهلية كما نعلم من جميع تجاربها فتنة عمياء تصيب العدو والصديق، ولا يسلم منها الواقفون على الحيدة بين المعسكرين؛ لأنهم قد يخرجون من الوسط بعداوة الفريقين إذا كانت حيدتهم مخالفة لمصلحة هؤلاء وهؤلاء، كما يحدث كثيرا عند اضطراب الأمور وتفرق المصالح والغايات. وقد كان أناس من الواقفين موقف الحيدة بين اليمين واليسار يتعرضون للاتهام بخذلان القضية القومية وفتور الغيرة على مصالح الشعب أو مصالح الأمة، وكان للشعب معنى غير معنى الأمة في إبان الفتنة؛ لأن المنادين باسم الشعب كانوا يحصرون الشعبية في طبقة واحدة من المحرومين في عصرهم، ولا يشملون بها طبقات الأمة جميعا في حاضرها ومستقبلها وفي ماضيها العريق ومصيرها المنظور. ولكن حيدة خيمنيز لم تكن حيدة المصلحة التي تخالف مصلحة اليمين ومصلحة الشمال، وإنما كانت حيدة الزهد في المغانم اليمنى واليسرى واشتراك الشعور الإنساني بينه وبين المحرومين وطلاب الحرية حينما كان للشعور الإنساني صوت مسموع. فإذا خالف القسوة الكانيبالية - كما كان يسميها - لم يكن خلافه لها مشايعة لأصحاب المغانم من المجدودين؛ لأنه كان ينحي على مساوئ الجشع عند هؤلاء أشد الإنحاء، ولكنه كان قريبا إلى جانب العطف الإنساني في نفس المحروم المظلوم وفي نفس المجدود المظلوم، فخرج من بينهما بأخف التهم التي يتعرض لها الواقفون موقف الحيدة في معمعة الحروب الأهلية، وكان أقسى ما اتهم به أنه اتخذ أحضان الطبيعة في الريف «نقطة انتقال» في انتظار المستقبل الذي يسفر عنه «التطور» الموعود، وهو التطور الذي يأخذ في عصر الصناعة خير ما يعطيه، ولا ينفصل عن أحضان الطبيعة ولا عن «وحدة الوجود» الخفية التي تدب في عروق الأحياء، بل تسري في النبات والجماد مسراها في الكائن الحي من الآدميين وغير الآدميين. وقد كان خيمنيز يزور عواصم الحضارة في القارتين الأوروبية والأمريكية، ويشهد بعينيه معالم القوة والثروة ومعجزات العلم والفن التي تمخض عنها عصر الصناعة في تلك العواصم ، فلا يجهل فضلها ولا يغمط حقها، ولكنه كان يزداد أملا في ذلك التطور الإنساني الذي يحلم به كلما ازداد علما بما يتطلبه روح الإنسان، ويبحث عنه عبثا بين معالم الحضارة المادية والعظمة الصناعية، وربما أنس إلى منظر «مقبرة» في وسط المدينة يرف عليها الطير، وينبت في تربتها الزهر، ويتعهدها الأحباب والأقرباء بالزيارة مقبلين إليها من أرجاء الحاضر التي تعج بالأصداء وتموج برواد السلع والآلات؛ لأنه يلمس روحه هناك حيث يفقدها في ميادين الجلبة والزحام والتدافع بالمناكب والأقدام على المال والحطام، ويرفع بصره إلى ما فوقه فلا يصدق أن ما يراه بعينيه هو قمر السماء، بل يكاد يحسبه إعلانا عن القمر بين سائر الإعلانات المتلألئة بالأضواء! •••

Page inconnue