Poète Andalou et un Prix Mondial
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Genres
ولكن شاعرنا تورط في هذه التجارب تورط القادر على امتحانها وامتحان نفسه، فخرج منها إلى فن قوام بينها يلائمه ويأبى عليه أن يعدل به منهجا من مناهج الدعوى والمحاكاة. فعاد يقول أن المدارس الأدبية تجود بالفن الرفيع كلما استغنى فيها عن الانتساب إلى مدرسة من المدارس، فلم تكن له صفة غير صفة الفن الجيد الذي لا تلحق به علامة من علامات الأزياء الموقوتة والجدائل المتقلبة. فهو يرى أن المدارس السلفية والمثالية والواقعية وما فوق الواقعية والمستقبلية وغيرها وغيرها من مدارس الفنون التي تتعدد عناوينها، أو تتعدد موضوعاتها، قد تأتي بالجيد النفيس من المنظوم والمنثور، ولكنه لا يوصف بالجودة إلا لأن صفة الجودة وحدها تغنيه عن كل صفة أخرى، فلا يقال إنه جيد واقعي أو جيد مثالي أو جيد سريالي أو جيد رمزي إلى غير ذلك من النعوت والتصنيفات، بل يقال إنه جيد لأنه ارتقى إلى مرتبة الفن الخالد الذي يرتضيه كل زمن، ويتقبله كل ذوق وتشمله صفة العالمية أو صفة الإنسانية في أوسع نطاق، كلما اتسع النطاق فاحتوى القاعدة الشاملة، ولم يترك بعدها بابا للاستثناء غير الاستثناء الذي لا بد منه ولا محيد عنه في قاعدة من قواعد الفنون والآداب.
ومقاييسه التي يعرف بها هذا الفن الوحيد الغني عن الأوصاف تبلغ من الدقة أحيانا مبلغ التعاريف الرياضية والقوانين العلمية؛ فلا يلتبس معناها على القارئ البصير بتعبيرات الفن ومقاييس الأدب التي تتراوح أبدا بين الواقع والخيال.
فالشعر الجيد هو الشعر الذي يبقيه ناظمه كله ولكن بعد جهد جهيد؛ فقد يكون فيه ما هو حقيق بالحذف والإلغاء، ولكن إبقاءه أسهل من حذفه بعد طول المراجعة والموازنة والتعديل.
وليست البساطة الفنية عنده أن يعفي الشاعر قريحته من الجهد والكلفة، ولكنها هي تدبير المفاجأة التي يخيل إليك أنها وثبت إلى الشاعر بغير طلب؛ لأن المجهود الوحيد المحمود فيها أنه عناء يبذل لإخفاء العناء!
ومن أوابده البارعة في تعريف الحسن من القديم والجديد أن للحسن من الفن جذورا وأجنحة، ولكنها الجذور التي ينبغي أن تطير، والأجنحة التي ينبغي أن تنبت لها جذور.
وهو يفرق بين التقليد والمشابهة فيتقبل مشابهة «العدوى»، وينكر مشابهة المحاكاة، ولا ضير من «عدوى» الجمال لأنها خلق متكرر أو خلق منقول!
وقد يفرق بين الشعر والأدب في هذه الخصلة، فيتقبل الحكاية في الأدب ويأباها في الشعر؛ لأن مقاييس الأدب عمل من أعمال الفكر يأذن بالتطبيق والاحتذاء ويتبع الإنتاج المبتكر أحيانا ليقاس عليه، وليس من الشعر الأصيل شعر يقصد به القياس والتطبيق.
وله في هذه التفرقة معنى يشبه معنى شاعرنا أبي الطيب في تفرقته بين الجمال الموهوب والجمال المكسوب ، أو بين حسن البداوة وحسن الحضارة:
حسن الحضارة مجلوب بتطرية
وللبداوة حسن غير مجلوب
Page inconnue