Poète Andalou et un Prix Mondial
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
Genres
ولكنه يعلم على التحقيق أن المجموعة تعطيه صورة واسعة متعددة الجوانب من ثقافة الغرب في قرابة نصف قرن، ولا يفوته أن يلمح فيها غياب نوع من الأدب لا يمثله أديب من أدبائها، وهو ذلك النوع الذي نصطلح على تسميته بدعوة الهدم والعنف، أو بما دون ذلك من دعوات الخشونة والمرارة، فإذا لاحظ ذلك فقد وصف المجموعة على الجملة صفة مقاربة لحقيقتها؛ لأنها في الواقع تجمع نماذج الفن الرفيع على شرط محدود، وهو خدمة السلام والتفاؤل بمصير الإنسان، فإذا توافر الشرطان مع التوسط في الكفاية والإتقان، فذلك خير من الامتياز الراجح بواحد منهما وفقدان الآخر.
وليست العصمة في وزن أحد الشرطين أو وزنهما معا أمرا مستطاعا أو ميسورا لعمل من أعمال الإنسان، فقد يختل الوزن مع اختلاف الزمن واختلاف البواعث النفسية أو الاجتماعية، ولكن الأمر الذي لا ريب فيه أن دراسة الجائزة على علاتها كفيلة بتعريف الناقد تعريفا صحيحا بصورة وافية من صور الثقافة الغربية الحديثة من جوانبها المتعددة، ولا يقدح في ذلك غياب الجانب المسكوت عنه من أدب الهدم والقنوط؛ فإن الجانب المختار يدل عليه ويشير إليه، ويكاد يشرحه شرحا صريحا على سنة المقابلة ومعارضة النقيض على النقيض.
وهذا الذي اخترنا تأليف هذا الكتاب لأجله؛ فإن دراسة «جائزة عالمية» يستحقها من تختارهم هيئة من الهيئات المرشحة لوظيفتها، لن تخطئ أن تعطينا صورة من تاريخ الأدب الحديث تستحق النظر، وتستحق أن يدار عليها موضوع كتاب، ومما يستحق النظر من أجله أيضا أن يتعرف الناقد المؤرخ مواطن الصحة والخطأ ومواطن الخطأ في موازين الهيئات الفنية، التي تتصدى لوزن الكفايات والملكات على نطاقها الواسع بين أمم الحضارة؛ فإن العلم بمدى هذه الهيئات من الصحة والخطأ، ومن الإنصاف والمحاباة، ومن محاباة الضرورة ومحاباة الاختيار، غرض لا يهمله مؤرخ الأدب في ناحية من نواحيه. •••
وعلى هذا الاعتبار نكتب هذه الدراسة عن الشاعر الإسباني «خيمنيز» صاحب جائزة نوبل لسنة 1956؛ فهو من هذه الزاوية يعرض للدراسة في هذه الصفحات.
ولقد دار البحث طويلا في موضوع الجائزة العالمية منذ سنوات، فخطر لبعض الباحثين أن تشمل الدراسة تقديرا مجملا لجميع الأدباء الذين استحقوا من لجنة التحكيم جوائزها منذ السنة الأولى إلى السنة الأخيرة عند تأليف الكتاب، وخطر لبعضهم أن تبتدئ الكتابة عنهم من السنة الأخيرة، ويختار من المتقدمين بعد ذلك من ترشحه المناسبة أو يرشحه التفضيل والتمييز بالقياس إلى قراء اللغة العربية.
ثم تردد الكلام عن «خيمنيز» لمناسبات شتى، وتردد كذلك عن «بسترناك» الشاعر الروسي الذي نال الجائزة بعده لمناسبات أخرى، فرجحت كفة الشاعر الإسباني وزاد في ترجيحه أنه اختتم حياته الأدبية وخلصت سيرته من لجاجة المآرب السياسية، وصلحت هذه السيرة صلاحها لتفصيل القول عن العلاقة بين الأدب القومي والأدب الإنساني، كما تتحراها الجوائز العالمية بموازينها المصطلح عليها.
وفي الصفحات التالية فصول كافية لبيان هذه الدراسة من زواياها المتعددة: عن الجائزة وصاحبها ونشأتها ودستورها من وثائقها الرسمية، وعن لجنة التحكيم وسنتها المتبعة في اختيار أدبائها، وعن الأدب القومي وآثار الآداب العالمية فيه، وعن بيئة الأدب الإسباني التي نشأ فيها الشاعر، ثم الجزء الأخير من الكتاب عن الشاعر وتقدير أدبه وشواهد هذا الأدب التي يستعان بها على تقديره. •••
ونحسب أن هذا الكتاب سيتأدى إلى قصده ويستوفي غايته، إذا خرج منه القارئ على علم برسالة الشاعر الإسباني قومية وإنسانية، وعلى علم بالمناسبة التي رشحته لجائزة العالمية.
ألفريد نوبل
لما طلب لدفيج نوبل من أخيه الفريد - صاحب الجوائز - أن يكتب تاريخ حياته، كتب إليه هذا ما معناه أن له نصف حياة في الواقع، وأن هذا النصف كان حقيقا أن يتولاه عند ولادته طبيب من محبي الخير يكتم أنفاسه ساعة بدرت منه صيحته الأولى على أبواب الدنيا.
Page inconnue