مختارات من أجمل الشعر في مدح الرسول
مختارات من أجمل الشعر في مدح الرسول
Maison d'édition
دار المعرفة
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٠٨ هـ
Lieu d'édition
دمشق
Genres
[مقدمات التحقيق]
الإهداء
إلى روح شاعر المناضلة والمنافحة، شهيد معركة «مؤتة» «عبد الله بن رواحة»؛ القائل بالنبي العربي محمد ﷺ:
إني تفرست فيك الخير أعرفه ... فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهم ... في جل أمرك ما آووا وما نصروا
فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
1 / 3
- تقديم- آفة الشعر عند ما يكون مدحا لغير رسول الله ﷺ
كثيرون هم الذين مدحوا قديما على ألسنة الشعراء، من ملوك وخلفاء وأمراء وحكام. حتى غدا المدح موضوعا من أبرز موضوعات الشعر وأهمّ غرض من أغراضه.
غير أن فن المديح في الشعر، ظل ملازما لآفتين اثنتين، لم ينفكّ الشعر بسببهما عن اضطراب وضعف.
أولى الآفتين: الفجوة التي لا بدّ أن تظل قائمة تفصل بين طبيعة الشعر بحد ذاته، وواقع الممدوح أيا كان شأنه.. ذلك لأن طبيعة الشعر هي الغلوّ والافراط في كل ما يصفه ويعبّر عنه، وواقع الممدوح هو الاصطباغ بالنقص والضعف والأخطاء أيا كان، بحكم كونه إنسانا لا تنفك عنه سمة النقص والضعف. والشأن في ذلك أن يضعف من جدّية الشعر وتأثيره على النفس، ويفرغه من أكثر المضمون الذي يجمّله ويحببه.
الآفة الثانية: أنّ الدافع للشعراء إلى المديح، يتمثل في عوامل من الأطماع والآمال الخارجية أكثر من أن يتمثل في مشاعر صادقة من المحبة الداخلية. وإذا فرغ الشعر من صدق الشعور عاد صنعة كلامية وزخرفا لفظي. واقتصر طريقه إلى النفوس من هذه الزاوية وحدها
غير أن هاتين الآفتين لا يبدو لهما أي وجود، في الشعر الذي مدح به محمد رسول الله ﷺ. أيا كان الشاعر، وأيا كان واقعه وشأنه.
ذلك لأن الشعر الذي يمدح به رسول الله ﷺ، يتحرك ويعلو في ساحة الوصف والبيان كما يشاء، دون أي غلوّ أو تكلف. ومهما أوغل الشاعر في الوصف وسما في المديح والاطراء، لا يحسّ أنه اصطدم بحدود، أو تجاوز الحقيقة إلى الخيال، أو بالغ في الثناء.
إن الشعر يغدو، إذ يمدح به رسول الله، كالثوب الذي يأتي على قدر لابسه.
لا تجد في شيء من ذيوله أو أطرافه أي زيادة أو فضول.
1 / 5
وذلك أيضا، لأن الشاعر إذ يندفع إلى مدح محمد ﵊، لا يحمله على ذلك طمع في مغنم أو خوف من مغرم، مما كان يحمل الشعراء على طرق أبواب الأمراء والقيام بين أيديهم مثنين ومادحين.. وإنما يحدوه إلى ذلك شعور داخلي لاهب، وكثيرا ما يكون هذا الشعور نقدا ذاتيا من الشاعر لنفسه وأسى مريرا على العهود الغابرة من عمره، ورغبة ملحّة في الالتجاء الى ساحة النبوة، والانغماس- بعد الرحلة المضنية- في مغتسل طهور من الأنوار والرحمة المحمدية.
والنفس الانسانية ذات شأن عجيب! .. إنها قد توغل بصاحبها في أودية التيه او الضياع، ولكنها تظل في حين دائم إلى قمم النور وشطآن النجاة.. لا تعجب إن رأيت صاحب هذه النفس شاردا في سلوكه منحطّا في أفانين غيّه، ثم أصغيت منه مع ذلك إلى أنين يحنّ إلى الطهر، ولوعة تترامى على أعتاب الرحمة الإلهية، وتسفح الدمع سخيا أمام واسطة هذه الرحمة، محمد ﵊.
فإن أوتي مثل هذا الانسان، مع ذلك، بيانا من الشعر، كان له فيه أروع قيثار يستخرج صدق أحاسيسه النيرانية، بل النورانية اللاهبة، ويصوغها في شجو يأخذ اللب ويأسر النفس.
وإذا صحّ أنّ أعذب الشعر أكذبه، فلا ريب أن أحّر الشعر أصدقه! ..
وإنما عذوبة الشعر صنعة كلامية وصقل لألفاظ، أما حرارته فهي النبض الذي يبعث فيه الحياة التي تسري بالتأثير في قلوب الآخرين.. وقديما قالت العرب: ليست النائحة كالثكلى.
ولا أذكر أني قرأت قصيدة، لشاعر مجيد، يمدح فيها محمدا ﵊، إلا وتملّكني منها تأثير كبير، واستبدّت بي رقة تذيب النفس، أيا كان الشاعر ومهما كان شأنه.
وإنما مردّ ذلك، إلى ما قلت: الشعر الذي أخذ حظه، إذ تحرك في ميدان فسيح من الوصف والبيان والإطراء، دون أن تشمّ فيه رائحة غلو أو تكلف في القول.. والشاعر الذي أفرغ أحاسيس قلبه، لوعة وحبا وإجلالا، في واحة تلك العبارات والأوزان.
1 / 6
فإن كنت في شك مما أقول، فدونك فاستعرض قصائد هذا الكتاب، وإنما هي قطوف منوعة لشعراء مختلفين في المذهب والسلوك، متدرّجين في العصور والتاريخ، تجد مصداق ما أقول، وتشعرّ بزفرة الصدق في ثنايا كلام كل منهم.
ثم انظر إلى شعر البوصيري، على سبيل المثال، وقارن بينه إذ كان يمدح به أمراء عصره، طمعا في مغنم أو انتجاعا لرزق، وبينه إذ اتجه به إلى مدح رسول الله ﷺ، تجد هناك التكلف الممجوج، والمعاني المفتعلة المصنّعة، وتجد هنا الرّفاء والرّصانة العجيبين، حتى لكأنّ شعره ينتشي ويطرب من ذاته، ثم تجد نفسك مأخوذا بمشاعر اللوعة الصادقة تسري في سائر جمله وكلماته! .. اصغ إليه وهو يقول:
يا رحيما بالمؤمنين إذا ما ... ذهلت عن أبنائها الرّحماء
يا شفيعا في المذنبين إذا أش ... فق من خوف ذنبه البرآء
جد لعاص، وما سواي هو العا ... صي، ولكن تنكّري استحياء
كلّ يوم ذنوبه صاعدات ... وعليها أنفاسه صعداء
أو ثقته من الذنوب ديون ... شدّدت في اقتضائها الغرماء
ما له حيلة سوى حيلة المو ... ثق إمّا توسل أو دعاء
راجيا أن تعود أعماله السّو ... ء بغفران الله وهي هباء
أو ترى سيآته حسنات ... فيقال استحالت الصّهباء
ولن أزيد عليك بعد هذه الأبيات وزخم المشاعر التي فيها، أي شيء. بل سأتركك مع واحة الشعر، تتنقّل من قصيد إلى قصيد، لترى مصداق ما أقول.
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
1 / 7
مقدمة
(محمد الرسول العربي الكريم مثل الله الأعلى للإنسان الكامل)
محمد الإنسان الكبير:
لا بد للباحث المنصف من الإعتراف بعظمة النبي العربي محمد ﷺ؛ الذي حمل وبشّر برسالة الإسلام، وتحمّل ما تحمل في سبيل نشرها من تعذيب ومشقة من قريش وباقي القبائل العربية، التي رأت فيه مزاحما لها بالقيادة والزعامة، فجاهرته العداء وحاربته ولم يكن معه، آنذاك، إلا النذر اليسير من أصحابه وعلى رأسهم عمه أبو طالب الذي شجعه على المضي برسالته بعد أن رأى التصميم والإرادة القوية عند ابن أخيه «محمد» الذي قال له مقولته الخالدة: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» ...
1 / 9
قال محمد هذا قول العظيم الواثق من صدق دعوته، المطمئن إلى بلوغ غايته.
فقال عمه: (اذهب يا ابن أخي، وقل ما شئت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدا) .
ثم تجلت في الرسول العربي محمد ﷺ «مواهب الكمال الإنساني فحشد للخصومة قوى النفس وقوى الحس، فجاهد بالصدق، وجالد بالصبر، وجادل بالمنطق، وصاول بالرأي، وأثر باللسان، فكان رسولا في الدين، وعلما في البلاغة، ودستورا في السياسة، وإماما في التشريع، وقائدا في الحرب، زد على ذلك خلقه الحسن كما وصفة ربه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» .
إذن حامل هذه الرسالة السماوية السمحاء مؤهل لها قادر على تحمل مشاقها من جميع جوانبها المعنوية والجسمية والخلقية فهو المثل الأعلى للإنسان الكامل؛ ولله درّ شاعر الرسول حسان بن ثابت الأنصاري حينما وصف شخصية الرسول العربي محمد ﷺ ببيتين من الشعر يدلان على كمال صاحبها إذ قال مادحا رسول الله ﷺ:
وأحسن منك لم تر قط عيني ... وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرّءا من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
إذن فلا عجب وإذا رأينا صاحب هذه الرسالة يقلب المجتمع الجاهلي رأسا على عقب، ليكون منهم مجتمعا آخر يختلف عن المجتمع الأول الذي يقوم على العصبية، والأثرة والأنانية والثأر، إلى مجتمع جديد بفضل الرسول الكريم، الذي بعث رحمة للعالمين، إذ بعث الحرية من قبرها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل التنافس في الخير، والتعاون على البر، والتفاضل بالتقوى، ثم وصل بين القلوب بالمؤاخاة، وعدل بين الحقوق بالمساواة، ثم محا الفروق بين أجناس الإنسان، وأزال الحدود بين مختلف الأوطان،
1 / 10
فأصبح العالم كله أسرة متحدة، ليس فيها بين المرء والخليقة حجاب، ولا بين العبد وربه واسطة..
ثم جعل لهم من كتاب الله نورا ... ومن سنته دستورا، ورمى بهم فساد الدنيا، فأصلحوا الأرض ومدنوا العالم، وهذبوا الناس.
«هذا ولا تقاس أهمية النبي محمد ﷺ وعظمته بالانجازات التي تمت في عصره فقط، ولكن بما نتج عن هذه الإنجازات، وما تحقق بعده، بقيام الفتوحات الكبرى، وتأسيس دولة الإسلام العظمى الممتدة من داخل الصين وحتى خليج عمان، ومن شواطىء المتوسط في الشام حتى جنوب فرنسة ومشارف روما» «١» .
لكل ذلك أحبه الجميع وقدّر عمله وعظمته المستشرقون، وآمن برسالته الكثير من أبناء الديانات السماوية الأخرى، يقول «توماس كارلايل» مؤلف كتاب الأبطال عن النبي محمد ﷺ:
«لقد كان رجلا عظيما بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، فأدى عمله وحده في أعماق الصحراء» . كما يقول «توماس كارلايل»: إن الرسالة التي أداها الرسول محمد، ما زالت السراج المنير. ثم يأتي الدكتور «مايكل هارت» فيضعه على رأس قائمة بالمائة الأوائل من عظماء العالم، اعترافا بعظمة وعبقرية النبي العربي ﷺ! ما معنى ذلك؟
ان هذا الرسول العربي عظيم «ولا يمكن أن نوفيه حقه من التكريم، ولو جعلنا ماء البحر مدادا لكلماتنا؛ ... هذه الشخصية المعجزة التي استطاعت في سنوات معدودة، أن تتغلب على فوارق اجتماعية، وعصبيات قبلية» ومعتقدات دينية وثنية، واعراف وعادات متوارثة، ضربت جذورها جميعا في أعماق المجتمع القبلي الجاهلي منذ مئات السنين» «٢» .
_________
(١) د. سهيل زكار، مائة أوائل من تراثنا ص ٢٠.
(٢) من مقدمة كتاب «رسالة الاسلام» الرسول العربي، العماد مصطفى طلاس ص ١٣- دار الشورى- بيروت.
1 / 11
محمّد والشعر ﷺ
وهذه القصائد المختارة لعدد من شعراء الأمة العربية على أختلاف مذاهبهم، ومشاربهم هي نبضات قلوب مفعمة بمحبة المصطفى ﷺ، تدلّ على نبل أصحابها وسموهم ورفعتهم ولا عجب في ذلك فالشعراء كانوا وما زالوا سباقين لتقدير واكتشاف العظمة والعظماء، وذلك بفضل ما رزقهم الله تعالى من فيض الشاعرية التي تشع وتنبىء ومن ثم يأتي الإلهام ...
ومن كالنبي محمد ﷺ أجدر بالمدح والثناء واظهار عظمته وعبقريته؟ إنه مصدر ثرّ للإلهام ...
وقد روى عنه محبته للشعر والشعراء، حيث أثر عن النبي ﷺ قوله:
إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا» كما ذكر الرواة أن الشاعر «النابغة الجعدي» حين وفد على النبي فأنشده قصيدته الرائية وبلغ منها قوله:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
طرب النبي لهذا المعنى الكريم واستحسنه وقال للشاعر: «أحسنت يا أبا ليلى! لا يفضض الله فاك» . كذلك روي أن رسول الله قال: «الشعر كلام من كلام العرب جزل تتكلم به في بواديها، وتسل به الضغائن من بينها»
كذلك كان النبي ﷺ يعرف قيمة الشعر وخطره وأثره في تأليف القلوب واستلال الأضغان، وإثارة الأشجان، فلقد كان يكثر من استنشاد شعر الخنساء في أخيها صخر، ويستعيدها ويستزيدها ويقول لها: «هيه يا خناس!» وكأنه وجد في صدق العاطفة ومواجد الحزن في شعر الخنساء ما تتمثل فيه مراحم القلوب، ومواجع الأكباد ثم ألم يكن النبي يتأثر لكلمة حق قالها شاعر مخضرم هو «لبيد بن ربيعة العامري، فيقول:
«أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» .
1 / 12
كما روي عن النبي محمد ﷺ أنه كان كلما ارتاب بخبر تمثل بقول «طرفة بن العبد»: «ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد» .
وإذا كان القرآن الكريم قد حكم على الشعراء بقوله: «والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، فإن الحكم هنا لم يكن على عمومه، فقد اتبعه، بالاستثناء بقوله: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ...» وهؤلاء الشعراء هم الذين كان يعتمد الرسول عليهم للتصدي للمشركين مثل الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك وفيهم نزل الاستثناء المذكور.
من هذا المنطلق كانت هذه القصائد الرصينة بمدح الرسول العربي الكريم لبعض الشعراء قمنا بجمعها وانتقائها من بين عدد كبير منها. قيلت في أزمان متباعدة وعصور مختلفة، فمن قصائد الشعراء المخضرمين كالشاعرين الأعش، وكعب بن زهير إلى العصور اللاحقة مثل قصيدتي «البوصيري، وابن الساعاتي» إلى قصائد الشعراء المعاصرين مثل أحمد شوقي وخليل مطران، وبدوي الجبل، وعمر أبو ريشه، والشاعر القروي، ومحمد البزم، وسليم الزركلي، وأنور العطار، وجورج صيدح إلى باقي الشعراء أصحاب القصائد المنتقاة ...
1 / 13
نبي يرى ما لا ترون
(الأعشى يمدح النبي محمدا ﷺ
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وعادك ما عاد السليم المسهّدا
أجدّت برجليها نجاء وراجعت ... يداها خنافا لينا غير أحردا
فآليت لا أرثي لها من كلالة، ... ولا من حفى حتى تزور محمّدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... تريحي وتلقي من فواضله يدا
نبي يرى ما لا ترون، وذكره ... أغار، لعمري، في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغيب، ونائل ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا
أجدّك لم تسمع وصاة محمد، ... نبي الإله، حين أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى، ... ولاقيت بعد الموت من قد تزوّدا
ندمت على أن لا تكون كمثله، ... وأنك لم ترصد لما كان أرصدا
فإيّاك والميتات، لا تأكلنّها، ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا
وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه ... ولا تعبد الأوثان، والله فاعبدا
وصلّ على حين العشيات والضحى، ... ولا تحمد الشيطان، والله فاحمدا
ولا السائل المحروم لا تتركنّه ... لعاقبة، ولا الأسير المقيّدا
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة ... ولا تحسبنّ المرء يوما مخلّدا
ولا تقربنّ جارة، إنّ سرّها ... عليك حرام، فأنكحنّ، أو تأبّدا
1 / 15
«بانت سعاد»
(كعب بن زهير) (قال كعب بن زهير مادحا الرسول العربي محمد ﷺ:)
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرها لم يجز مكبول
وما سعاد غداة البين اذ رحلوا ... إلا أغنّ غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول
شجّت بذي شيم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه ... من صوب سارية بيض يعاليل
يا ويحها خلة لو أنها صدقت ... ما وعدت أولو أنّ النصح مقبول
لكنّها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع وإخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلوّن في أثوابها الغول
وما تمسّك بالوصل الذي زعمت ... الا كما تمسك الماء الغرابيل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن يعجلن في أبد ... وما لهنّ طوال الدهر تعجيل
فلا يغرنك ما منّت وما وعدت ... إن الأماني والأحلام تضليل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... الا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلّغها إلا عذافرة ... فيها على الأين إرقال وتبغيل
من كلّ نضاخة الذفرى اذا عرفت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق ... اذا توقّدت الحزّان والميل
ضخم مقلّدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
حرف أخوها أبوها من مهجّنة ... وعمّها خالها قوداء شمليل
تمرّ مثل عسيب النّخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الأحاليل
1 / 16
قنواء في حرّتيها للبصير بها ... عتق مبين وفي الخدين تس؟؟؟
تخدي على يسرات وهي لاحقة ... ذوابل وقعهنّ الأرض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما ... لم يقهنّ رءوس الأكم تنعيل
يوما يظلّ به الحرباء مصطخما ... كأنّ ضاحيه؟؟؟ نار مملول
كأن أوب ذراعيها وقد عرقت ... وقد تلفّع بالقو؟؟؟ العساقيل
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت ... ورق الجنادب يركضن ا؟؟؟ ى قيلوا
شدّ النّهار ذراعا عيطل نصف ... قامت فجاوبها نكد م؟؟؟ اكيل
نوّاحة رخوة الضّبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفّيها ومدرعها ... مشقّق عن تراقيها رعابيل
يسعى الوشاة بجنبيها وقولهم ... انك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال كل خليل كنت آمله ... لا ألفينك أني عنك مشغول
فقلت خلّوا طريقي لا أبالكم ... فكل ما قدّر الرحمن مفعول
كل ابن انثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حد باء محمول
أنبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال ... قرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم ... أذنب ولو كثرت عني الأوقايل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... أرى واسمع ما لو يسمع الفيل
لظلّ يرعد إلّا أن يكون له ... من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني لا أنازعه ... في كف ذي نقمات قيله القيل
لذاك أهيب عندي اذ أكلّمه ... وقيل إنك مسبور ومسئول
من ضيغم من ضراء الأسد مخدره ... ببطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراذيل
اذا يساور قرنا لا يحلّ له ... أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظلّ حمير الوحشي ضامزة ... ولا تمشى بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مطرّح البز والدرسان مأكول
1 / 17
إن الرسول لسيف يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكّة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال انكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل
شمّ العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكّت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب اذا عرّد السود التنابيل
لا يفرحون اذا نالت رماحهم ... قوما وليسو مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطّعن إلا في نحورهم ... ما إن لهم عن حياض الموت تهليل
1 / 18
أغر عليه خاتم النبوة
(حسان ابن ثابت الأنصاري)
أغرّ، عليه للنّبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النّبي إلى اسمه، ... إذ قال في الخمس المؤذّن أشهد
وشقّ له من اسمه كي يجلّه ... فذو العرش محمود، وهذا محمّد
نبي أتانا بعد يأس وفترة ... من الرّسل، والأوثان في الأرض تعبد
فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا، ... يلوح كما لاح الصّقيل المهنّد
وأنذرنا نارا، وبشّر جنة ... وعلّمنا الإسلام، فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربّي وخالقي ... بذلك ما عمّرت في الناس أشهد
تعاليت ربّ الناس عن قول من دعا ... سواك إلها، أنت أعلى وأمجد
لك الخلق والنّعماء، والأمر كلّه، ... فإيّاك نستهدي، وإيّاك نعبد
1 / 19
البردة
(شرف الدين محمد البوصيري)
أمن تذكر جيران بذي سلم ... مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبّت الريح من تلقاء كاظمة ... وأومض البرق في الظلماء من إضم
فما لعينيك إن قلت إكففا همتا ... وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصّبّ أنّ الحبّ منكتم ... ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل ... ولا أرقت لذكر البان والعلم
فكيف تنكر حبّا بعد ما شهدت ... به عليك عدول الدّمع والسّقم
وأثبت الوجد خطّى عبرة وضنى ... مثل البهار على خدّيك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقّني ... والحب يعترض اللّذات بالألم
يا لائمي في الهوى العذريّ معذرة ... منّي إليك ولو أنصفت لم تلم
عدتك حالي لاسرّي بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النّصح لكن لست أسمعه ... إنّ المحبّ عن العذّال في صمم
إنّي اتهمت نصيح الشّيب في عذل ... والشّيب أبعد في نصح عن التّهم
فإنّ أمّارتي بالسّوء ما اتّعظت ... من جهلها بنذير الشّيب والهرم
ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى ... ضيف ألّم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقّره ... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم
من لي بردّ جماح من غوايتها ... كما يردّ جماح الخيل باللّجم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها ... إنّ الطّعام يقوّي شهوة النّهم
والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على ... حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن تولّيه ... إنّ الهوى ما تولّى يصم أو يصم
1 / 20
وراعها وهي في الأعمال سائمة ... وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسّنت لذّة للمرء قاتلة ... من حيث لم يدر أنّ السّمّ في الدّسم
واخش الدّسائس من جوع ومن شبع ... فربّ مخمصة شر من التّخم
واستفرغ الدّمع من عين قد امتلأت ... من المحارم والزم حمية النّدم
وخالف النّفس والشّيطان واعصهما ... وإن هما محضّاك النّصح فاتّهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما ... فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قول بلا عمل ... لقد نسبت به نسلا لذي عقم
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت في قولي لك استقم
ولا تزوّدت قبل الموت نافلة ... ولم أصلّ سوى فرضي ولم أصم
ظلمت سنّة من أحيا الظّلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضّرّ من ورم
وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وراودته الجبال الشّمّ من ذهب ... عن نفسه فأراها أيّما شمم
وأكّدت زهده فيها ضرورته ... إنّ الضّرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدّنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدّنيا من العدم
محمّد سيّد الكونين والثّقلين ... والفريقين من عرب ومن عجم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكلّ هول من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم
فاق النّبيين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلّهم من رسول الله ملتمس ... غرفا من البحر أو رشفا من الدّيم
وواقفون لديه عند حذّهم ... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي ثمّ معناه وصورته ... ثمّ اصطفاه حبيبا بارىء النّسم
منزّه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادّعته النصارى في نبيّهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واجتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
1 / 21
فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم
لو ناسبت قدره آياته عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرّمم
لم يمتحنّا بما تعيا العقول به ... حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشّمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكلّ الطّرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ... قوم نيام تسلّوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلّهم
وكلّ آي أتى الرّسل الكرام بها ... فإنما اتّصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظّلم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر متّسم
كالزّهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدّهر في همم
كأنه وهو فرد من جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنّما اللّؤلؤ المكنون في صدف ... من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تربا ضمّ أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم
أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدا منه ومختتم
يوم تفرّس فيه الفرس أنّهم ... قد أنذروا بحلول البؤس والنّقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدع ... كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسف ... عليه والنّهر ساهي العين من سدم
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها ... وردّ واردها بالغيظ حين ظمي
كأنّ بالنار ما بالماء من بلل ... حزنا وبالماء ما بالنّار من ضرم
والجنّ تهتف والأنوار ساطعة ... والحقّ يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصمّوا فإعلان البشائر لم ... تسمع وبارقة الإنذار لم تشم
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم ... بأنّ دينهم المعوّج لم يقم
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب ... منقضّة وفق ما في الأرض من صنم
1 / 22
حتى غدا عن طريق الوحي منهزم ... من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنّهم هربا أبطال أبرهة ... أو عسكر بالحصى من راحتيه رمي
نبذا به بعد تسبيح ببطنهما ... نبذ المسبّح من أحشاء ملتقم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم
كأنّما سطرت سطرا لما كتبت ... فروعها من بديع الخطّ، في اللّقم
مثل الغمامة أنّى سار سائرة ... تقيه حرّ وطيس الهجير حمي
أقسمت بالقمر المنشقّ إنّ له ... من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكلّ طرف من الكفّار عنه عمي
فالصّدق في الغار والصّديق لم يرما ... وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنّوا الحمام وظنّوا العنكبوت على ... خير البريّة لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدّروع وعن عال من الأطم
ما سامني الدّهر ضيما واستجرت به ... إلّا ونلت جوارا منه لم يضم
ولا التمست غنى الدّارين من يده ... إلّا استلمت النّدى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إنّ له ... قلبا إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغ من نبوّته ... فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحي بمكتسب ... ولا نبي على غيب بمتّهم
كم أبرأت وصبا باللّمس راحته ... وأطلقت أربا من ربقه اللّمم
وأحيت السّنة الشّهباء دعوته ... حتى حكت غرّة في الأعصر الدّهم
بعارض جاد أو خلت البطاح بها ... سيبا من اليمّ أو سيلا من العرم
دعني ووصفي آيات له ظهرت ... ظهور نار القرى ليلا على علم
فالدّرّ يزداد حسنا وهو منتظم ... وليس ينقص قدرا غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى ... ما فيه من كرم الأخلاق والشيم
آيات حق من الرحمن محدثة ... قديمة صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا ... عن المعاد وعن عاد وعن إرم
دامت لدينا ففاقت كلّ معجزة ... من النّبيّين إذ جاءت ولم تدم
1 / 23
محكّمات فما تبقين من شبه ... لذي شقاق وما تبغين من حكم
ما حوربت قطّ إلّا عاد من حرب ... أعدى الأعادي إليها ملقي السّلم
ردّت بلاغتها دعوى معارضها ... ردّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معان كموج البحر في مدد ... وفوق جوهره في الحسن والقيم
فما تعدّ ولا تحصى عجائبها ... ولا تسام على الإكثار بالسّأم
قرّت بها عين قاريها فقلت له ... لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفة من حرّ نار لظى ... أطفأت حرّ لظى من وردها الشّبم
كأنها الحوض تبيضّ الوجوه به ... من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصّراط وكالميزان معدلة ... فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسود راح ينكرها ... تجاهلا وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
يا خير من يمّم العافون ساحته ... سعيا وفوق متون الأينق الرّسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر ... ومن هو النّعمة العظمى لمغتنم
سريت من حرم ليلا إلى حرم ... كما سرى البدر في داج من الظّلم
وبتّ ترقى إلى أن نلت منزلة ... من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدّمتك جميع الأنبياء بها ... والرّسل تقديم مخدوم على خدم
وأنت تخترق السّبع الطّباق بهم ... في موكب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأوا لمستبق ... من الدّنوّ ولا عرقى لمستنم
خفضت كلّ مقام بالإضافة إذ ... نوديت بالرّفع مثل المفرد العلم
كيما تفوز بوصل أيّ مستتر ... عن العيون وسرّ أيّ مكتثم
فحزت كلّ فخار غير مشترك ... وجزت كلّ مقام غير مزدحم
وجلّ مقدار ما ولّيت من رتب ... وعزّ إدراك ما أوليت من نعم
بشرى لنا معشر الإسلام إنّ لنا ... من العناية ركنا غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرّسل كنّا أكرم الأمم
1 / 24
راعت قلوب العدا أنباء بعثته ... كنبأة أجفلت غفلا من الغنم
ما زال يلقاهم في كلّ معترك ... حتى حكوا بالقنا لحما على وضم
ودّوا الفرار فكادوا يغبطون به ... أشلاء شالت مع العقبان والرّخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدّتها ... ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم
كأنّما الدّين ضيف حلّ ساحتهم ... بكلّ قرم إلى لحم العدى قرم
يجرّ بحر خميس فوق سابحة ... يرمي بموج من الأبطال ملتطم
من كلّ منتدب لله محتسب ... يسطو بمستأصل للكفر مصطلم
حتّى غدت ملّة الإسلام وهي بهم ... من بعد غربتها موصولة الرّحم
مكفولة أبدا منهم بخير أب ... وخير بعل فلم تيتم ولم تئم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم ... ماذا رأى منهم في كلّ مصطدم
وسل حنينا وسل بدرا وسل أحدا ... فصول حتف لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمرا بعد ما وردت ... من العدا كلّ مسودّ من اللّمم
والكاتبين بسمر الخطّ ما تركت ... أقلامهم حرف جسم غير منعجم
شاكي السلاح لهم سيما تميّزهم ... والورد يمتاز بالسّيما عن السّلم
تهدي إليك رياح النّصر نشرهم ... فتحسب الزّهر في الأكمام كلّ كمي
كأنّهم في ظهور الخيل نبت ربا ... من شدّة الحزم لا من شدّة الحزم
طارت قلوب العدى من بأسهم فرقا ... فما تفرّق بين البهم والبهم
ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم
أحلّ أمّته في حرز ملّته ... كاللّيث حلّ مع الأشبال في أجم
كم جدّلت كلمات الله من جدل ... فيه وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأميّ معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم
خدمته بمديح أستقيل به ... ذنوب عمر مضى في الشّعر والخدم
اذ قلّداني ما تخشى عواقبه ... كأنني بهما هدي من النّعم
أطعت غيّ الصّبا في الحالتين وما ... حصلت إلّا على الآثام والنّدم
فيا خسارة نفس في تجارتها ... لم تشتر الدّين بالدّنيا ولم تسم
1 / 25