أسرار البيان في التعبير القرآني - محاضرة
أسرار البيان في التعبير القرآني - محاضرة
Genres
ثم قال في البقرة (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) بالجملة الإسمية والجملة الإسمية كما هو معلوم تفيد الدوام والثبات ومعنى ذلك أن هؤلاء لم يسبق لهم أن أبصروا وإنما هذا شأنهم وخلقتهم فلا أمل في إبصارهم في يوم من الأيام. في حين قال في الجاثية (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث ومعلوم أن (جعل) فعل ماض ومعنى ذلك أن الغشاوة لم تكن قبل الجعل يدلك على ذلك قوله تعالى (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) مما يدل على أنه كان مبصرًا قبل ترديه. ثم ختم آية البقرة بقوله (وله عذاب عظيم) ولم يقل مثل ذلك في آية الجاثية. فدل على أن صفات الكفر في البقرة أشد تمكنًا فيهم. ولذا قدم ختم القلب على ما سواه لأنه هو الأهم فإن القلب هو محل الهدى والضلال وإذا ختم عليه فلا ينفع سمع ولا بصر قال تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) الحج) .
وقال ﷺ: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"؟
فكان تقديم القلب في البقرة أولى وأنسب كما أن تقديم السمع في الجاثية أنسب.
1 / 44