Scientific and Medical Miracles in the Prophetic Sunnah
تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية
Maison d'édition
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
Genres
تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية
تأليف: أحمد أبو الوفا عبد الآخر
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد
فقد تنبه علماء الأمة الإسلامية منذ قرون للإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم، وأخيرا تنبهوا للإعجاز العلمي في السنة النبوية. وزاد الاهتمام بالإعجاز العلمي في العصر الحديث بعد أن تقدمت العلوم بصفة عامة والعلوم الكونية بصفة خاصة، وجاءت الاكتشافات مطابقة للإشارات والحقائق العلمية الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وأصبح للإعجاز العلمي في القرآن والسنة شأن عظيم في مجال الثقافة الإسلامية وفي مجال الدعوة، ونشط العلماء المسلمون وغير المسلمين في دراسته والبحث فيه، وكثرت المؤلفات والمؤتمرات والندوات المحلية والعالمية، وكذلك المحاضرات والأحاديث في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وتأسست اللجان والجمعيات والهيئات، وكلها تتسابق إلى عرض قضية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، مما يدعو إلى التفاؤل والامتنان، ويبشرنا بأن دعوة الإسلام قد انضم إليها خطاب جديد مهم وهو " الإعجاز العلمي في القرآن والسنة "، مما يؤكد أن وعد الله ﷾ قد جاء، وهو قوله ﷾: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت:٥٣) . ومما يدعو إلى التفاؤل والسرور قيام أول هيئة للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة - (أم القرى) مهبط الوحي ومنطلق الدعوة الإسلامية - وذلك منذ ما يقرب من عشرين
1 / 1
عاما، وكان ذلك حافزًا قويًا على حركة البحث والدراسة والتأليف في الإعجاز العلمي، كما كان مشجعًا على قيام الجمعيات واللجان. وكان لزامًا على مركز السنة والسيرة النبوية بالمدينة المنورة أن يشارك في هذا النشاط العلمي الإسلامي خدمة للسنة النبوية، وبدأ ذلك يتحقق والحمد لله على المستوى العالمي، بعقد ندوة " عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية ". والبحث الذي نقدمه يتكون من ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التمهيد.
الفصل الثاني: تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية.
الفصل الثالث: جهودنا في أعمال الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الأنبياء والمرسلين.
1 / 2
الفصل الأول: التمهيد
تعاريف وتقويمها
...
الفصل الأول: التمهيد
قبل الدخول إلى صلب الموضوع أرى من المفيد تقديم (تمهيد) وهو يشتمل على موضوعين رئيسين هما:
١ - تعاريف وتقويمها.
٢ - أسلوب المطابقة وأسلوب التطبيق وتقويمهما.
- ١ -
تعاريف وتقويمها
· لمصطلح " الإعجاز العلمي في القرآن والسنة " تعاريف متعددة ومنها:
١ - "تأكيد الكشوف الحديثة الثابتة والمستقرة، للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية" (١) . ويؤخذ على هذا التعريف قوله " للحقائق الواردة في القرآن والسنة "، فهذا إطلاق لا يقبل، وذلك لأن كثيرًا من حقائق القرآن الكريم والسنة النبوية، لا تدخل تحت علوم البشر.
٢ – إخبار القرآن الكريم والسنة النبوية بحقائق العلم التجريبي التي ثبت عدم إمكان إدراكها إلا بالوسائل البشرية التي لم تكن في زمن الرسول ﵊، يؤخذ على هذا التعريف أنه استبعد الحقائق غير الكونية، كالإعجاز في علوم التاريخ والاقتصاد والتشريع. والأمر يحتاج إلى تعريف يقع عليه الاتفاق بين المشتغلين بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ولا تكون عليه مآخذ. ولا يخفى أن التعريف الجامع المانع الخالي من المآخذ
_________
(١) مقدمة توصيات المؤتمر الدولي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
1 / 3
والمتفق عليه، يوحِّد الآراء حول (المصطلح)، وحول مدلوله ليصبح مستقرًا في الفكر وفي الثقافة، ويدخل في المعاجم دون غموض أو جدال، وهذا يعجل بجعل "الإعجاز العلمي" علما له منهجه. وفي سبيل التوصل إلى ذلك التعريف، فإنني أشارك بتقديم التعريف التالي "الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية هو الإخبار بحقائق دائمة في شتى العلوم دون الاستعانة بالوسائل البشرية: كالتعليم والمعرفة المكتسبة بوسائلها المختلفة، مما يؤكد أن القائل بالحقائق في شتى أمور الحياة موحى إليه من الله ﷾ بما تحدث به؛ ليكون ذلك شاهدًا على ألوهية رسالته، وصدق دعوته، وقد تحقق ذلك الإعجاز العلمي لخاتم الرسل والأنبياء سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه".
هذا التعريف جعل الإخبار بالحقائق الواردة في القرآن والسنة هو الأصل، وليست الكشوف العلمية، كما أنه لا يقتصر على حقائق العلوم الكونية، بل يشمل حقائق كل العلوم بمفهوم مصطلح (العلم) ومعناه العام والشامل وهو "كل ما يصل إليه الإنسان من معارف على وجه الحقيقة"، فالعلم: كما يشمل الأمور المادية والكونية، فهو يشمل أيضا الأمور المعنوية والإنسانية. وبتعريفنا السابق بأخذ مصطلح "الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية" موقعه بين جميع العلوم، ولا يكون مقصورًا على العلوم المادية والكونية· كما تكون له مصطلحات تفصيلية فتقول مثلًا: الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في الفلك، والإعجاز العلمي للقرآن والسنة في الطب، والإعجاز العلمي للقرآن والسنة في الاقتصاد.... إلخ. وقد يكون المأخذ الوحيد على تعريفنا السابق هو الإطالة، وإذا كان ذلك كذلك ففي الإمكان
1 / 4
اختصاره.
ونحن لا نفرق في الإعجاز العلمي للسنة النبوية بين حقائق فيها سَبْقُ الإخبار، وحقائق ليس فيها سبق الإخبار، حيث إن قول رسول الله ﷺ أو فِعْلَه أو تقريره يُدخل هذه الأمور في السنة النبوية ويجعلها حقائق، وبالتالي يدخلها في موضوعات الإعجاز العلمي. وتأسيسا على ذلك فإن كل ما جاء في السنة النبوية مما كان عند العرب يدخل في باب الإعجاز العلمي، طالما أن رسول الله ﷺ قَبِله وتكلم به وأقره، وبهذا نغلق الباب في وجوه الذين جعلوا السنة النبوية (عضين) فقسموها إلى أمور شرعية من الوحي يُعْمَلُ بها، واجتهادات شخصية وأمور عرفية ليست من الوحي، ونقول لهم: إن كل ما جاء بالسنة النبوية وحي، حتى ولو كان من أعمال العادة التي كانت معروفة على عهد رسول الله ﷺ، طالما أنه أقرها، فالموافقة لم تكن عن هوى أو اجتهاد شخصي، بل كانت بالوحي، وما يمكن أن يقال ويقبل "هو أن السنة النبوية جميعها وحي، وأن الأحاديث النبوية وحي في المعنى ونبوية في اللفظ والتعبير"، وليس بالضرورة أن يكون الوحي من جنس الوحي الذي نزل به القرآن الكريم، لكنه وحي من عند الله فلا ينطق ﵊ إلا حقا.
وألفت النظر إلى أن الإسلام كله معجز، والرسول ﵊ معجز بذاته وباتصاله الدائم بالوحي. وعلينا نحن المسلمين أن نتجنب الوقوف عند الإعجاز العلمي، ونشغل به عن جوانب الإعجاز في تشريعات الإسلام وتوجيهاته الأخلاقية وعن سيرة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلينا ألا نجعل خطاب الدعوة الإسلامية مركزًا على الإعجاز العلمي بدعوى
1 / 5
أن العلوم الكونية والتقنيات الحديثة هي لغة العصر وأسلوب التخاطب والإقناع، بل على الدعاة وكل من يدعو إلى دين الإسلام أن يهتموا بجوانب الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في العقيدة والأخلاق والتشريع والمعاملات والعبادات، على أن يظل الإعجاز العلمي في مقدمة خطاب الدعوة بجانب تعاليم الإسلام شاهدين على أن مصدر هذا الدين هو الله ﷿ وصدق رسالة محمد ﷺ.
-٢- أسلوب المطابقة وأسلوب التطبيق وتقويمهما تتحرك أعمال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية في اتجاهين: · أحدهما: تكون فيه الاكتشافات العلمية والمعارف الكونية معروفة وتكون مطابقة لما في الآيات القرآنية والسنة النبوية من الحقائق، فيقوم العلماء بإظهار العلاقة بين الكشوف العلمية وتلك الحقائق القرآنية والنبوية، وهذا هو معنى (أسلوب المطابقة)، وهو يمثل أكثر أعمال الإعجاز العلمي في الوقت الحاضر، وذلك يتماشى مع قول الله ﷾: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت:٥٣) . وحسب سياق الآيات، فإن هذه الآية خطاب للكفار المكذبين، مما يدل على أن ما سيظهر من الاكتشافات في الآفاق وفي الأنفس سيتحقق في معظمه على أيدي من لا يؤمنون بالله ﷾، ولا بالقرآن ولا باليوم الآخر، حتى يكون ما يتوصلون إليه من
-٢- أسلوب المطابقة وأسلوب التطبيق وتقويمهما تتحرك أعمال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية في اتجاهين: · أحدهما: تكون فيه الاكتشافات العلمية والمعارف الكونية معروفة وتكون مطابقة لما في الآيات القرآنية والسنة النبوية من الحقائق، فيقوم العلماء بإظهار العلاقة بين الكشوف العلمية وتلك الحقائق القرآنية والنبوية، وهذا هو معنى (أسلوب المطابقة)، وهو يمثل أكثر أعمال الإعجاز العلمي في الوقت الحاضر، وذلك يتماشى مع قول الله ﷾: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت:٥٣) . وحسب سياق الآيات، فإن هذه الآية خطاب للكفار المكذبين، مما يدل على أن ما سيظهر من الاكتشافات في الآفاق وفي الأنفس سيتحقق في معظمه على أيدي من لا يؤمنون بالله ﷾، ولا بالقرآن ولا باليوم الآخر، حتى يكون ما يتوصلون إليه من
1 / 6
الاكتشافات والسنن الكونية، برهانا وتبيانا على أن هذا الدين وحي من الله وشاهد على صدق القرآن وإعجازه، وعلى ما جاء به الوحي على سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ويصبح حجة على الكفار والمكذبين. وما يجري الآن في مجال الاكتشافات على يد غير المسلمين يؤكد ذلك. وقد يكون الخطاب في الآية السابقة عاما لكل البشر.
"وأسلوب المطابقة" لا مأخذ عليه إذا توخَّى المشتغلون بالإعجاز العلمي سلامة المطابقة، وتجنبوا التعسف في الاستدلال الذي يقع فيه بعضهم؛ اندفاعا وتحمسا منهم، أو لقصور في البحث والاستدلال.
· والاتجاه الآخر، وفيه تكون المعارف العلمية والاكتشافات الكونية التي تطابق ما في القرآن الكريم والسنة النبوية من الحقائق مازالت مجهولة ولم يتم اكتشافها بعد، فيقوم العلماء بالنظر في الإشارات والعبارات العلمية الواردة بالقرآن والسنة والانطلاق منها نحو الدراسات العلمية والبحوث التجريبية التي تقودهم إلى الاكتشافات، وهذا هو المقصود من مصطلح (أسلوب التطبيق)؛ وذلك ليتماشى مع قول الله ﷾: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل ٨٩) . وأعمال الإعجاز العلمي في اتجاه (أسلوب التطبيق) مازالت ضئيلة، وهى في حاجة إلى مزيد من الاهتمام من جانب هيئات وجمعيات ولجان الإعجاز العلمي بالتنسيق مع مراكز البحوث العلمية، وتوفير الإمكانات للعلماء والباحثين. والعمل "بأسلوب التطبيق" شاق، لكنه ضروري طالما أن هناك اقتناعا لدى علماء المسلمين بأن الآيات القرآنية والسنة النبوية بهما الكثير من
1 / 7
الحقائق في شتى العلوم. ولقد أصبح من المفيد، بل ومن الواجب التوجه إليهما بالنظر والدراسة والبحث لاستكشاف ما بهما من حقائق لاشك أنها ستزود العلوم والتقنيات - النابعة من العقول العلمانية والفكر المادي المجرد من الإيمان بالله ﷾ اللتين ابتليت بهما الحضارة المعاصرة، من الحقائق العلمية التي تعين وتهدي إلى الدخول في الإسلام وبهذا يصبح "منهج الإعجاز العلمي بالأسلوب التطبيقي" مصدر خير للبشرية، كما أنه يحقق ثلاث فوائد مهمة هي:
١ - يصبح القرآن الكريم والسنة النبوية مصدرًا للحقائق العلمية بضوابط أخلاقية ومقاصد إنسانية.
٢ - لا يظل فهم آيات القرآن الكريم وما تتضمنه من الحقائق وفهم السنة النبوية والمعارف العلمية تابعًا على الدوام للمعارف التي يتحقق اكتشافها من خارج القرآن الكريم والسنة النبوية.
٣ - يصبح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية أكثر إشراقا وواقعية وإيجابية ومصداقية وعطاء.
٤ - يصبح للعلماء مصدران لمعرفة الحقائق والسنن الكونية وهما:
"الكون المسطور"، ويمثله القرآن الكريم والسنة النبوية، و"الكون المنظور" في الآفاق وفي الأنفس.
· ولتوسيع مفهوم "أسلوب التطبيق"، فإننا ننظر إليه في أمور ثلاثة وهي:
١ - الانطلاق من الإشارات والعبارات العلمية في القرآن والسنة نحو اكتشافات
1 / 8
جديدة غير معروفة: كالبحث في حديث الذبابة (١) لاكتشاف المواد الضارة والمواد الشافية، وكالبحث عن الصفات المعنوية للقلب على ضوء ما جاء في القرآن والأحاديث النبوية.
٢ - الاستقصاء العلمي التجريبي لحقائق جرى التعرف على بعضها وقد طابقت القرآن والسنة، لكنها في حاجة إلى مزيد من البحوث: كأضرار لحم الخنزير، وكأضرار زواج الإخوة من الرضاعة، وكأثر الحبة السوداء في زيادة مناعة الجسم.
٣ - ترجيح بعض الآراء العلمية حينما تتعارض كاستخدام الحجامة في العلاج، وكالأبحاث التي تناولت نوع الجنين ذكرًا أو أنثى، فهناك أقوال بأن نوع الجنين يتحدد بالحيوانات المنوية من ماء الرجل، وأقوال بأنه يتحدد بماء الرجل وماء المرأة، وهو القول المقبول شرعا، والذي وردت فيه أحاديث نبوية (٢)، وعلى العلماء أن يرجحوا بالأحاديث النبوية أحد القولين، لكن بعد التأكد من دلالة الحديث أو فهمه فهما صحيحًا.
_________
(١) قال رسول الله ﷺ: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء" رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه وجمع من المحدثين.
(٢) حديث ثوبان: "قال رسول الله ﷺ: "ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنَّث بإذن الله" أخرجه مسلم. وهذا الحديث وغيره يثبت أن مني الرجل ومني المرأة يشتركان في تحقيق الجنين وفي صفاته ومنها الإذكار والتأنيث.
1 / 9
الفصل الثانى: تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية
توضيح
١ - عندما نقول "الإعجاز العلمي والطبي" أو أحدهما، كما هو وارد في دليل المحاور والموضوعات، فقد يفهم بعضهم أن الإعجاز الطبي خارج عن الإعجاز العلمي، وتحريرا للعبارة أقول: إن الإعجاز العلمي أعم وأشمل، ويدخل فيه الإعجاز الطبي. كما أرى تحاشي صيغة المقابلة وهي "أو أحدهما" التي تؤدي إلى الفهم السابق نفسه.
٢ - عندما أقول "السنة النبوية" فإنني أقصد كل ما ينسب إلى رسول الله ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، حتى ولو كانت من الأمور المعروفة عند العرب، طالما أنها وردت في السنة النبوية.
٣ - "التقويم" قد يكون بمعنى تقدير قيمة الشيء، وقد يكون بمعنى التعديل وإزالة العيوب. وأرى الأخذ بالمعنيين معا، حيث إن إزالة العيوب لا تتحقق إلا بتقدير قيمة الشيء ومعرفة ما به من اعوجاج. ولا يخفى أن "التقويم" موضوع في غاية الأهمية، وهو يحتاج إلى دوام النظر فيه وإلى دراسات موسعة، وذلك لمعرفة السلبيات في أعمال الإعجاز والعمل على تجنبها، ومعرفة الإيجابيات ومراعاتها والالتزام بها، مما يحقق نجاح تلك الأعمال على مستوى الثقافة والدعوة والتطبيق. "وبالتقويم" يتحقق وَضْعُ القواعد والضوابط التي يتوخَّاها المشتغلون بالإعجاز العلمي ويتحقق المنهج السليم الذي يجعل الإعجاز العلمي علما مستقرًا ومستقلًا من علوم القرآن الكريم
1 / 11
وعلوم السنة النبوية.
ونعرض موضوعات الفصل الثاني فيما يلي:
أولًا: تقويم نصيب السنة النبوية في الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي لا يخفى أن نصيب السنة النبوية في أعمال الإعجاز العلمي مازال ضئيلا، وتنحصر الأعمال في الموضوعات الطبية إلى حد كبير، وحظها في باقى العلوم التجريبية قليل، والمطلوب هو زيادة الإقبال على دراسة الإعجاز العلمي في السنة النبوية حتى يأخذ مكانته، ويزداد نصيبه في جميع العلوم، ولا سيما أن السنة النبوية متصلة بكل أمور الحياة، وهى وافرة المعلومات، متنوعة الموضوعات، لذلك فالمتوقع أن تكون عامرة بالحقائق، زاخرة بموضوعات الإعجاز العلمي· ولترغيب العلماء في الإقبال على دراسة تلك الكنوز العلمية التي تمتلئ بها السنة النبوية ولتسهيل مهمتهم وتشجيعهم، أقترح ما يلي: ١ - الإكثار من تأليف المراجع التي تشتمل على الأحاديث النبوية ذات الدلالات العلمية، بحيث تصبح هذه الأحاديث مستقلة عن باقى الأحاديث النبوية، ولا تكون مفرقة في كتب الحديث؛ وبذلك يسهل على الباحثين في الإعجاز العلمي الرجوع إلى تلك المراجع والنظر في الأحاديث ودراستها، على أن تبوب الأحاديث حسب الموضوعات. وقد صدر كتاب عن الإعجاز العلمي في السنة النبوية يعد نموذجا للتأليف في هذا الفن (١) . _________ (١) "كتاب الإعجاز العلمي في السنة النبوية" – تأليف دكتور صالح بن أحمد رضا وسنتحدث عنه بالتفصيل في موضع "نماذج من كتب المراجع".
أولًا: تقويم نصيب السنة النبوية في الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي لا يخفى أن نصيب السنة النبوية في أعمال الإعجاز العلمي مازال ضئيلا، وتنحصر الأعمال في الموضوعات الطبية إلى حد كبير، وحظها في باقى العلوم التجريبية قليل، والمطلوب هو زيادة الإقبال على دراسة الإعجاز العلمي في السنة النبوية حتى يأخذ مكانته، ويزداد نصيبه في جميع العلوم، ولا سيما أن السنة النبوية متصلة بكل أمور الحياة، وهى وافرة المعلومات، متنوعة الموضوعات، لذلك فالمتوقع أن تكون عامرة بالحقائق، زاخرة بموضوعات الإعجاز العلمي· ولترغيب العلماء في الإقبال على دراسة تلك الكنوز العلمية التي تمتلئ بها السنة النبوية ولتسهيل مهمتهم وتشجيعهم، أقترح ما يلي: ١ - الإكثار من تأليف المراجع التي تشتمل على الأحاديث النبوية ذات الدلالات العلمية، بحيث تصبح هذه الأحاديث مستقلة عن باقى الأحاديث النبوية، ولا تكون مفرقة في كتب الحديث؛ وبذلك يسهل على الباحثين في الإعجاز العلمي الرجوع إلى تلك المراجع والنظر في الأحاديث ودراستها، على أن تبوب الأحاديث حسب الموضوعات. وقد صدر كتاب عن الإعجاز العلمي في السنة النبوية يعد نموذجا للتأليف في هذا الفن (١) . _________ (١) "كتاب الإعجاز العلمي في السنة النبوية" – تأليف دكتور صالح بن أحمد رضا وسنتحدث عنه بالتفصيل في موضع "نماذج من كتب المراجع".
1 / 12
٢- إعادة النظر في العمل بالأحاديث الضعيفة في دراسة "الإعجاز العلمي في السنة النبوية". ولا يخفى أن كثرة ترديد مصطلح "الأحاديث الضعيفة" قد أوجد موقفا رافضا لدى المشتغلين بالإعجاز العلمي، فانصرفوا عن تلك الأحاديث. وهذه الأحاديث الضعيفة تحتوي على كثير من الموضوعات التي تصلح لأن تكون مادة علمية لدراسة الإعجاز العلمي؛ ولهذا فإن الانصراف عنها تسبب في نقص المصادر من السنة النبوية. فمثلا ماذا يكون موقف الدارسين للإعجاز العلمي في الطب النبوي من حديث "كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر الصدر" (١)، وحديث "لو عرف الناس ما في الحلبة لاشتروها بوزنها ذهبا" (٢) .
ماذا يكون موقف العلماء من هذه الأحاديث وأمثالها التي قيل إنها ضعيفة، وهل يعملون بها كما هو العمل بها في فضائل الأعمال؟ إننى أرجو من علماء الحديث الأفاضل أن ينظروا في هذه القضية على أن يصلوا إلى رأي فيه التيسير للعمل بالأحاديث الضعيفة في دراسات الإعجاز العلمي بالسنة النبوية، كما أنهم مطالبون بتأليف الكتب المشتملة على هذه الأحاديث الضعيفة ذات المدلولات العلمية، ومطالبون بإبداء الرأي بما يساعد على توسيع مصادر البحث في الإعجاز العلمي بالسنة النبوية، وبما يشجع العلماء
_________
(١) انظر "كتاب الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي".
(٢) عزاه السيوطي في الدرر لابن عدي في حديث معاذ بن جبل، قال الزركشي "ضعيف"، انظر: المرجع السابق ٦٠٤/ج٢٠.
1 / 13
على الإقبال على الأحاديث الضعيفة لاستخراج ما فيها من الحقائق والتوصل إلى الاكتشافات. والعمل "بالأحاديث الضعيفة" في دراسة الإعجاز العلمي في السنة النبوية يأتي قياسًا على العمل بها في فضائل الأعمال الذي يوافق عليه علماء الحديث على مر العصور. أما الأحاديث الموضوعة التي اختلقها الكذابون ونسبوها إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فهي مرفوضة رفضا باتًا، ولا يصلح العمل بها على الإطلاق. ولا يخفى أن استخراج الحقائق والمعارف العلمية من الأحاديث الضعيفة قد يصبح من عناصر تعزيزها، فيعاد النظر فيها لإخراجها من حالة الضعف.
٣ - تحاشي تقسيم السنة النبوية إلى أمور شرعية من الوحي يعمل بها، واجتهادات شخصية ليست من الوحي، وعلينا أن ننظر إلى كل ما جاء في السنة النبوية بأنه حقائق وأمور صادقة صدرت عن رسول الله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى، ولم يقل إلا حقًا. وقد تحدثنا عن ذلك في الفصل الأول.
٤ - الإكثار من الندوات المخصصة لأبحاث الإعجاز العلمي في السنة النبوية، وإقامة المؤتمرات العالمية التي يغلب عليها هذه الأبحاث، أو تكون مقصورة عليها، وذلك على غرار "ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية"، وذلك بجانب الندوات والمؤتمرات العالمية التي تجمع الإعجازين معًا: إعجاز القرآن الكريم، وإعجاز السنة النبوية، وتكون فيها بحوث إعجاز القرآن الكريم هي الأكثر.
٥ - لفت النظر وتأكيد أن الإعجاز العلمي في السنة النبوية أصبح من أهم المطالب الدينية في عصرنا الحاضر بعد أن أصبحت السنة النبوية مستهدفة بشراسة لا من قبل غير المسلمين فحسب، بل من داخل الأمة الإسلامية على
1 / 14
يد نفر من الضالين الذين يرفعون شعار "القرآن وكفى" دون أن يدركوا خطورة مقولتهم هذه على عقيدتهم، من هنا جاءت خطورة تقسيم السنة النبوية إلى وحي واجتهادات شخصية، وهذه السلبيات هي من أسباب انخفاض نصيب أعمال الإعجاز العلمي في السنة النبوية.
ثانيا: عناصر تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية لقد اخترت عدة عناصر جعلتها مرجعا لتقويم أعمال الإعجاز العلمي في السنة النبوية ونذكرها فيما يلي: ١ - الالتزام بقواعد الاستشهاد بالأحاديث النبوية في حالة الاستدلال بالأحاديث النبوية يجب الالتزام بهذا العنصر المرتبط بالقواعد الواردة في علم الحديث وفي مقدمتها: تخريج الأحاديث والالتزام بلفظ الحديث. والأخذ بهذا العنصر المهم لم يصل إلى المستوى المطلوب في أعمال الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية، وبخاصة في الأعمال الثقافية، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد الحارثي (١) في دراسته (٢): تبين من الدراسة أن كثيرًا ممن يعملون في مجال الإعجاز العلمي في السنة النبوية أميون بأكثر مبادئ علم الحديث، والمطلوب نشر علم الحديث ومبادئه بين أكبر قدر ممكن من المثقفين، خاصة أصحاب التخصصات العصرية ... ولهذا أوصى الباحثين في الإعجاز العلمي بتتبع الأحاديث المستدل بها وتخريجها، وأوصى الكاتبين في _________ (١) أحمد بن حسن بن أحمد الحارثي. (٢) موضوع الدراسة "الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك".
ثانيا: عناصر تقويم الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية لقد اخترت عدة عناصر جعلتها مرجعا لتقويم أعمال الإعجاز العلمي في السنة النبوية ونذكرها فيما يلي: ١ - الالتزام بقواعد الاستشهاد بالأحاديث النبوية في حالة الاستدلال بالأحاديث النبوية يجب الالتزام بهذا العنصر المرتبط بالقواعد الواردة في علم الحديث وفي مقدمتها: تخريج الأحاديث والالتزام بلفظ الحديث. والأخذ بهذا العنصر المهم لم يصل إلى المستوى المطلوب في أعمال الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية، وبخاصة في الأعمال الثقافية، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد الحارثي (١) في دراسته (٢): تبين من الدراسة أن كثيرًا ممن يعملون في مجال الإعجاز العلمي في السنة النبوية أميون بأكثر مبادئ علم الحديث، والمطلوب نشر علم الحديث ومبادئه بين أكبر قدر ممكن من المثقفين، خاصة أصحاب التخصصات العصرية ... ولهذا أوصى الباحثين في الإعجاز العلمي بتتبع الأحاديث المستدل بها وتخريجها، وأوصى الكاتبين في _________ (١) أحمد بن حسن بن أحمد الحارثي. (٢) موضوع الدراسة "الأحاديث النبوية التي استدل بها على الإعجاز العلمي في الإنسان والأرض والفلك".
1 / 15
الإعجاز العلمي في السنة النبوية بالرجوع إلى شرح العلماء لتلك الأحاديث (١) . كما يقول الحارثي في مقدمة الدراسة: "بعض الكاتبين والمتحدثين في الإعجاز العلمي في السنة النبوية يستدلون بلفظ من ألفاظ الحديث وقد يكون غيره أولى، لكن لعدم درايتهم بالتخريج يقتصرون على ما وجدوه أمامهم" (٢)، وأسوأ مما قال الحارثي أن تذكر الأحاديث بالمعنى وليس بلفظها، وأن يكون سند الحديث غير صحيح. وحتى يتحرى المشتغلون بدراسة الإعجاز العلمي والطبي الدقة في الاستشهاد بالأحاديث، وحتى يتجنبوا الأخطاء، عليهم أن يرجعوا إلى علماء الحديث.
٢ - التوثيق العلمي
وهذا عنصر في غاية الأهمية، وهو يراعى في أعمال الإعجاز العلمي بدرجات متفاوتة، وأكثرها توثيقا الأعمال المقدمة إلى المؤتمرات العالمية للإعجاز العلمي، حيث يتقدم بها علماء متخصصون على قدر كبير من العلم والمعرفة، كما أن الكتب الثقافية في الإعجاز العلمي التي يؤلفها المتخصصون يكون توثيقها العلمي أكثر من التي يؤلفها غير المتخصصين. وحتى يتحقق التوثيق العلمي بصورة مرضية أنصح المشتغلين بالإعجاز العلمي من غير المتخصصين بالاستعانة بأصحاب التخصصات أو الرجوع إلى المراجع العلمية الحديثة عند القيام بتأليف تلك الكتب الثقافية، كما أقترح إقامة "قاعدة معلومات" تكون مزودة بمختلف الموضوعات العلمية وبأحدث المعلومات في
_________
(١) المرجع السابق ص ٣٤٠-٣٤١.
(٢) المرجع السابق ص٣.
1 / 16
كل موضوع علمي، على أن تشرف عليها "الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة" بمكة المكرمة بوصفها المؤسسة الأم. ويراعى سهولة التعامل مع قاعدة المعلومات لكل المشتغلين بدراسات الإعجاز العلمي.
٣ - سلامة الاستدلال
وهذا يتطلب معرفة واعية بالسنة النبوية، ومراعاة التطابق التام بين الأحاديث وما يتصل بها من الموضوعات العلمية. وقد يكون ثمة تعسف في بعض أعمال الإعجاز العلمي في الاستدلال بتطويع مفهوم نصوص الأحاديث لكي: توافق ما جاءت به العلوم والاكتشافات، ويحدث ذلك عند الحماس والاندفاع من جانب بعض من يقومون بهذه الأعمال، أو عندما تكون المعاني غامضة عليهم، والأمر يتطلب الاعتدال في التوجه نحو دراسة الإعجاز العلمي، والتدقيق والتمحيص، كما يتطلب الرجوع إلى علماء اللغة وعلماء السنة النبوية.
٤ - المنهج
نظرا لعدم استكمال القواعد والضوابط والاتفاق عليها فإن المنهج العلمي غير واضح، وستظل أعمال الإعجاز العلمي خاضعة لوجهات نظر مختلفة إلى أن يتم وضع المنهج، وقد ظهرت الحاجة إليه نظرا لكثرة المشتغلين بالإعجاز العلمي والإقبال عليه.
· أسلوب التطبيق وأسلوب المطابقة
هذا عنصر مهم، وقد سبق الحديث عن مفهوم مصطلح أسلوب التطبيق، وهو عنصر يعطي لأعمال الإعجاز العلمي أصالة ومصداقية ودوامًا، والأعمال ما زالت تفتقر إلى هذا العنصر، ويتبع معظمها حتى الآن "أسلوب
1 / 17
المطابقة"، الذي سبق الحديث عنه، والذي تظل به أعمال الإعجاز العلمي محسوبة على المعارف والاكتشافات العلمية التي تأتي من خارج الأحاديث وليس انطلاقا منها. ويتطلب الأمر الاهتمام بالأخذ بأسلوب التطبيق، وذلك بترغيب العلماء ومساعدتهم على القيام بأبحاثهم ودراساتهم في الإعجاز العلمي وفق هذا الأسلوب. ولا يخفى أن أعمال الإعجاز العلمي في السنة النبوية التي يتوافر لها أسلوب التطبيق، تكون أفضل من التي تخضع لأسلوب المطابقة التي تمثل الغالبية من دراسات الإعجاز العلمي في الوقت الحاضر. والأعمال التي تخضع "لأسلوب المطابقة" تتفاوت في مستواها العلمي حسب القدرات العلمية للقائمين على هذه الأعمال. وقد تكون "المطابقة جزئية"، حينما يكتفى بذكر بعض المعارف العلمية التي تتطابق مع مدلول الآية القرآنية أو الحديث النبوي وما فيهما من إشارات علمية، وقد تكون "المطابقة استقصائية"، وذلك حين تذكر كل المعارف العلمية، ولا يخفى أن الأعمال التي تخضع للمطابقة الاستقصائية تكون أفضل من الأخرى، وأرى في مقالات الدكتور زغلول النجار عن الإعجاز العلمي بالقرآن المنشورة بجريدة "الأهرام" نموذجا للأعمال الثقافية التي تخضع لأسلوب المطابقة الاستقصائية.
1 / 18
ثالثا: صنوف الأعمال التي تناولت الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية وتقويمها
أعمال الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية، رغم قلتها وتركيزها على الموضوعات الطبية واتجاهها إلى "أسلوب المطابقة"، قد اشتملت على جميع أوجه النشاط الفكري والثقافي مما أوجد تنوعًا لهذه الأعمال التي نقوم بتصنيفها وتقويمها فيما يلي:
١ - أعمال ثقافية
وهى الأعمال التي يقصد بها نشر ثقافة الإعجاز العلمي والطبي في السنة النبوية، وهى ما بين كتيبات وكتب وكتابات في الصحف وأحاديث إذاعية وتليفزيونية ومحاضرات. والقائمون بهذه الأعمال ما بين متخصصين وغير متخصصين؛ لهذا تكون الأعمال متفاوتة في الأخذ بعناصر التقويم السابق ذكرها، وبالتالي تكون متفاوتة في الجودة.
وقد يكون الكتاب مقصورًا على موضوعات في علم واحد (١)، وقد يتناول موضوعات في علوم مختلفة بإيجاز (٢)، وقد يكون بشكل موسوعات (٣) . وقد يكون الكتاب مقصورًا على الإعجاز العلمي في السنة النبوية فحسب، وقد يجمع بين الموضوعات المشتركة في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم وللسنة
_________
(١) الحديث النبوي وعلم النفس – تأليف دكتور محمد عثمان نجاتي.
(٢) كتاب الإعجاز العلمي الإسلامي (السنة) – محمد كامل عبد الصمد.
(٣) موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي (الجزء الأول) دكتور أحمد شوقي إبراهيم.
1 / 19
النبوية (١) .
ويغلب على هذه الأعمال الثقافية تبسيط المادة العلمية كما يوجد بها تقصير في توثيق الأحاديث النبوية أحيانا. ويمكن تلافي السلبيات وذلك بإشراف المتخصصين على هذه الأعمال الثقافية، وبالاستعانة بالمراجع العلمية الحديثة وعدم الاكتفاء بالمعلومات العامة أو الاعتماد على ما في الذاكرة من معارف، كما يلزم الرجوع إلى علماء السنة فيما يتعلق بالأحاديث النبوية. والسلبيات التي ذكرناها لا تقلل من قيمة الأعمال الثقافية في تقديم ثقافة الإعجاز العلمي، ولقد راجت هذه الأعمال ووجدت القبول والإقبال، واهتمت بها وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وحققت الغرض وهو التعريف الواسع بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ونشر تلك الحقيقة بين عامة المسلمين على مختلف المستويات الثقافية.
ويا حبذا أن تنتقل أعمال الإعجاز العلمي الثقافية إلى المساجد، وقام الأئمة والدعاة بتناول موضوعاتها في خطبهم ودروسهم الدينية، وانتقلت أيضا إلى مناهج التعليم. ولتحسين مستوى أعمال الإعجاز العلمي الثقافية - كما قلنا من قبل - يجب على القائمين بها مراعاة التوثيق العلمي، وسلامة الاستدلال بالأحاديث النبوية والالتزام بمنهج دراسة الإعجاز العلمي. وننوه بأن كثيرًا من هذه الأعمال الثقافية يقوم بها الأفراد، ومما تقدم نلمس الجهد الكبير الذي يقومون به في التعريف بقضية الإعجاز العلمي. ومن أفضل أعمال الإعجاز العلمي الثقافية على مستوى الجهود الفردية ما نشاهده في
_________
(١) رحلة الإيمان في جسم الإنسان – دكتور حامد محمد جمال.
1 / 20
السنوات الأخيرة على الساحة الثقافية (١) .
٢ - هيئات الإعجاز العلمي ولجانه
هذه هي الجهات المسؤولة عن أعمال الإعجاز العلمي بشكل جماعي، وقد حقق بعضها نجاحا كبيرا، وهى تعمل على محوري الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وهذا أمر مطلوب لأن القرآن والسنة لا ينفصلان عن بعضهما في الخطاب الديني في عقيدة المسلم. ومن أبرز تلك الجهات التي تتولى حركة الإعجاز أذكر الآتي:
١ - "هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة"، وهي أول هيئة علمية ذات شخصية مستقلة، مهمتها تحمل مسؤولية الكشف عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ومباشرة أعماله بكل أشكالها. تأسست الهيئة منذ عشرين عامًا تقريبًا، وباشرت نشاطها منذ اللحظة الأولى وعلى نطاق واسع محليًا وعالميًا، فأقامت الكثير من الندوات والمؤتمرات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها وعلى المستوى العالمي، ونشرت الدراسات والأبحاث مكتوبة ومسموعة ومرئية. وكان لها الجهد الأكبر في البزوغ والتعريف بالإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وفي رواجه والإقبال عليه في بلدان العالم الإسلامي وعلى المستوى العالمي. وأقرر بأن حركة الاهتمام والبحث والدراسة في الإعجاز العلمي بالقرآن والسنة التي نشاهدها الآن، إنما يرجع
_________
(١) على سبيل المثال ما قدمه ويقدمه: دكتور زغلول النجار والدكتور أحمد شوقي إبراهيم، والمرحوم الدكتور منصور حسب النبي، والدكتور كارم غنيم، والشيخ عبد المجيد الزنداني، والدكتور محمد على البار، وآخرون كثيرون في بلدان العالم الإسلامي.
1 / 21