هل هذا صحيح؟
إن لنا من الحرية أضعاف ما نحتاج.
ليتنا لم نكن أحرارا.
ليت يدا حديدية تشد على أعناقنا إذ ذاك، فإما أن نختنق وإما أن ننعتق.
أما هذه الحرية التي تشملنا فقد أضرت بنا. نقول ما نريد؛ لذلك تفجرنا طوفانا من كلام، فحيث توجهت انصبت في أذنيك قصيدة، وتفرقع أمام عينيك خطاب، تزكات، تزكات، من خمور الألفاظ، حولها الناس سكارى بالبلاغة والفصاحة.
وهناك الذي يحملون أقراصا من بنسلين الحكمة؛ إذ إن عندهم علاجا لكل شيء، ويفهمون كل شيء عن كل شيء، من أسرار الحرب الكورية إلى تصدير الأثمار الحمضية، وفلسفتهم تختصر بعبارة واحدة: «الحكومة فظاعة يا أستاذ!» وأحدهم يعنف الناس على الإسراف فيما هو يحكم عقدة ربطة باريسية ثمنها ثروة فقير: فظاعة يا أستاذ! ويوقف سيارته في عرض الطريق فيما ينتقد حالة السير، فظاعة يا أستاذ!
هؤلاء يعتقدون أنهم قاموا بواجبهم نحو المجتمع كلما وصفوا علاجا شاملا شتموا حكومة أو نطقوا: «فظاعة يا أستاذ!»
على أنهم ليسوا بخطرين.
الخطرون المجرمون هم الذين يسلكون إلى الانتهازية طريق المثالية، هؤلاء الذين تتهدج أصواتهم ثورة على نظام أو قانونا أو ظلامة، ثم تنعم أصواتهم؛ إذ يتوسلون لخرق النظام، وطيح القانون، وإنزال الظلامة.
هذه الأيدي التي تنقبض مهددة متوعدة مستثيرة النقمة على الفساد، ثم تنبسط مستجدية مساهمة في أعمال الفساد.
Page inconnue