Monsieur le Président

Mahir Battuti d. 1450 AH
160

Monsieur le Président

السيد الرئيس

Genres

وكان يشعر بكميلة إلى جواره، كالبودرة الحريرية الملمس، في كل نسمة يتنفسها، في أذنيه، بين أصابعه، تجاه ضلوعه التي تهز عيني أحشائه العمياء كالأهداف الراجفة ...

وكان يمتلكها ...

كانت الرعشة تأتي في رفق، دون أدنى تقلص؛ تمر رجفة خفيفة على طول أشواك عموده الفقري الملتوية، ثم تنقبض فتحة الحبال الصوتية في سرعة، ثم تسقط ذراعاه على الأرض كأنما هما قد بترا ...

وكان التقزز الذي يسببه له إرضاء حاجته في الصفيحة، مضاعفا للإثم الذي يقرضه من جراء إرضاء حاجاته الغريزية بهذه الطريقة العقيمة بذكرى زوجته، يتركه دون أية قدرة على الحركة.

وبالأداة المعدنية الوحيدة التي كانت في متناوله، وهي قطعة صغيرة جدا من النحاس الأصفر انتزعها من أحد شريطي حذائه، قام بحفر اسم كميلة واسمه متشابكين على الجدار، واستغل وجود الضوء الذي يزور زنزانته كل اثنتين وعشرين ساعة، فأضاف إلى الرسم قلبا. وخنجرا، وتاجا من الشوك، وهلبا، وصليبا، وقاربا صغيرا، ونجما، وعصفورين صغيرين كالشرطة التي على حرف النون بالإسبانية، وقطارا للسكة الحديد يخرج منه شريط حلزوني من الدخان.

ولحسن الحظ، أعفاه ضعفه من عذابات الجسد. فقد فكر في كميلة وقد عاث الدمار في بدنه، كما يشم المرء زهرة أو يسمع قصيدة. كان يفكر فيها كالوردة التي كانت تزهر كل أبريل ومايو في شرفة غرفة الطعام التي كان يتناول فيها الإفطار كل صباح مع والدته أيام طفولته: فرع صغير غريب من فروع شجرة الورد. وخلفته سلسلة من الصباحات الصبيانية حائرا. كان النور يخفت ... يخفت ... كان النور يخفت حالما يجيء. وابتلعت الظلمة الجدران السميكة كأنها قطع من البسكويت، وسرعان ما ستصل بعد ذلك صفيحة البراز. آه لتلك الوردة! صوت الحبل الخشن، والصفيحة معلقة في خبل بين جدران الأقبية المتعرجة . وارتجف من ذكر النتانة التي تصاحب هذا الزائر الهام. أواها لوردته، ناصعة البياض كالحليب في طبق إفطاره!

وعلى مر السنين، أصاب السجين رقم 17 الهرم، من المعاناة أكثر منه من مرور الزمن. وحفرت غضون عميقة لا حصر لها أخاديد في وجهه، ونبت له شعر أبيض كما تنبت للنمل أجنحة في الشتاء. ولم يبق شيء من هيئته ... ولم يبق شيء من جسده ... دونما هواء، دونما شمس، دونما حركة، يعاني من الدوسنطاريا والروماتزم والخور العصبي، يكاد لا يرى، لم يعد حيا فيه سوى الأمل في أن يرى زوجته مرة ثانية، ذلك الحب الذي يدعم القلب في مواجهة الآلام والشقاء. •••

أزاح رئيس الشرطة السرية مقعده إلى الخلف، وعقد قدميه تحته، واستند بمرفقيه على المنضدة السوداء السطح، وأدنى قلمه من الضوء، وشد على أسنانه إذ مد فجأة إصبعين في حركة قارصة نجح بها في استخلاص شعرة من سن القلم كانت تخلع على الحروف التي يكتبها شوارب كشوارب الجمبري. ثم مضى يكتب: «... وبناء على التعليمات الواردة» وشق القلم طريقه على سطح الورقة من ضربة لأخرى: «عمل المدعو «فيش» على كسب صداقة السجين نزيل الزنزانة رقم 17، بعد أن أودع الحبس معه لمدة شهرين، وتظاهر بالبكاء طوال النهار والليل، صائحا على الدوام ومحاولا الانتحار بين وقت وآخر. وتطورت صداقتهما إلى تبادل الكلام، فسأله السجين رقم 17 عن الجريمة التي ارتكبها في حق السيد الرئيس حتى يرسل به إلى هذا المكان الذي ينقطع فيه كل رجاء. ولم يجب المدعو «فيش»، بل اكتفى بدق رأسه على الأرض وإطلاق سيل من السباب القبيح. ولكن السجين رقم 17 أصر على سؤاله إلى أن أطلق لسان «فيش» من عقاله فحكى له قصته: لقد ولد في بلد يتقن كل أهله الحرفة التي أصبح يعتاش منها، لذلك فقد سافر إلى البلد الذي هما فيه الآن، والذي يعاني نقصا في أهل حرفته. الرحلة. الوصول. بلد مثالي للأجانب. عمل هنا، أصدقاء هناك، مال، كل شيء. ثم رأى فجأة امرأة في الطريق؛ تتبعها مترددا، ضد رغبته. متزوجة؟ عزباء؟ أرملة؟ لم يدر إلا شيئا واحدا، هو أن عليه أن يتتبعها. يا لهاتين العينين الخضراوين الساحرتين! فم كالوردة . وهي تمشي كالغزال الرشيق. ويصمم على الاتصال بها، ويسير قبالة منزلها، وينجح في الدخول، ولكن عندما حاول التحدث إليها لم يرها بعد ذلك أبدا، وأخذ رجل مجهول يتتبع خطواته بعد ذلك كظله أينما ذهب. ما معنى ذلك يا أصدقائي؟ ويدير أصدقاؤه وجوههم. ما معنى ذلك يا أحجار الطريق؟ وترتجف الجدران من سماع سؤاله. والشيء الوحيد الذي يصبح واضحا جليا هو أنه قد اندفع وتجرأ إلى حد أنه قد أراد أن يحب عشيقة السيد الرئيس - وهي ابنة أحد الجنرالات، استسلمت للرئيس انتقاما؛ لأن زوجها قد هجرها، كما قالوا له قبل أن يقبضوا عليه ويلقوا به في السجن بتهمة الفوضوية.»

ويذكر المدعو «فيش» أنه عند هذا الحد من القصة سمع صوتا يشبه صوت فحيح الثعابين وسط الظلام، وأن السجين رقم 17 الذي يشاركه الزنزانة توجه إليه ورجاه في صوت ضعيف ضعف زعنفة السمك أن يخبره باسم تلك السيدة، وكرر المدعو «فيش» اسمها له مرتين: كميلة كاناليس، كميلة كاناليس. ومن هذه اللحظة، بدأ السجين يخمش نفسه كأنما جسده كله مصاب بالحكة الجلدية، رغم أنه لم يعد يحس بأي شيء فيه؛ ومزق وجهه كيما يمسح دموعه التي سالت حيث لم يعد فيه سوى جلد جاف، ورفع يده إلى صدره ولكنه لم يستطع أن يعثر عليه، وكان كنسيج عنكبوتي من التراب الرطيب وقد سقط على الأرض ... «ووفقا للتعليمات، قمت بنفسي بتسلم المدعو «فيش»، الذي حاولت أن أنقل شهادته حرفيا في هذا التقرير، سبعة وثمانين دولارا، تعويضا عن الفترة التي قضاها في الحبس، وحلة مستعملة من الكشمير، وتذكرة سفر إلى «فلاديفوستوك». وقد؟ حررت شهادة وفاة السجين رقم 17 على النحو التالي: وفاة نتيجة زحار أي إسهال معد. «هذا هو كل ما أتشرف بإبلاغه إلى السيد الرئيس ...».

خاتمة

Page inconnue