Monsieur Puntila et son valet Matti
السيد بونتيلا وتابعه ماتي
Genres
وهنا تتدخل راعية البقر فتروي حكايتها عن الفتاة التي حملت من ابن سيدها الغني، ودفعها الحرص على كرامتها إلى التخلي عن نفقة رضيعها. إنها تروي هذه الحكاية المؤثرة وهي تمضغ كسرتها، فتبعد بها عن كل تأثير عاطفي رخيص، وتبين أن عظمة الإنسان تستطيع أن ترفعه فوق الكارثة التي تصيبه، فإذا رأت عاملة التليفون أن مسلك الفتاة المخدوعة يدل على الغباء عرفت المهربة إيما كيف ترد عليها بقولها: «مثل هذا السلوك قد يدل على الغباء وقد يدل على الذكاء.» والدليل على ذلك حكايتها الطويلة التي ترويها عن «آتي» المكافح الاشتراكي الشاب الذي رفض أن يأخذ السمكة والزبد الذي حملته إليه أمه الطيبة العجوز، حين عرف أن صاحبة الضيعة تصدقت بهما عليها، على الرغم مما يقاسيه من الجوع في معسكر الاعتقال. ولا تكاد إيما تبدأ في حكايتها حتى تنتهي عملية إصلاح الحذاء، ويتركز انتباه الممثلين والجمهور على الحكاية نفسها، وتستمد النساء منه شجاعة تعينهن على الطريق الطويل في السفر وفي الحياة. إن كلماتها تعبر عن العذاب الذي لاقاه السجين في معتقل الجوع والإرهاب الذي لم تبق فيه «ورقة واحدة على شجرة واحدة». كما تعبر بفترات الصمت المتقطع واختلاج الصوت المتهدج عن الجهد الذي عانته الأم المرتعشة العجوز وهي تقطع الطريق الطويل من قريتها إلى المعسكر البعيد، ولكن موقف الفتى الشجاع وإصراره العادل على رفض صدقة من سادته قد صارا حديث الناس على مدى طريق يبلغ ثمانين كيلومترا. بذلك لم يضع جهد الأم المحطمة عبثا، ولم تعد القضية من شأنها وحدها، بل أصبحت قضية عامة تعبر عنها إحدى الممثلات بقولها: «إن أمثال آتي موجودون.» فترد عليها الأخرى قائلة: «ولكنهم نادرون.» حتى إذا انتهت الحكايات الفنلندية وظهرت الطاهية أمام الستارة لتغني أغنيتها عن السادة الأغنياء الذين يقولون رأيهم في عامة الشعب بين كئوس النبيذ وأكواب القهوة وألوان اللحم والفاكهة، كنا نحن المتفرجين قد كونا رأينا في هذا الرأي. •••
قد يسأل القارئ الآن فيقول: ما الفائدة من هذه المسرحية بعد أن قضينا على أمثال الإقطاعي «بونتيلا»؟ هل هناك ما يدعو إلى قراءتها أو تمثيلها بعد أن تم الإصلاح الزراعي وصدرت القوانين الاشتراكية؟ ولماذا نقف عند نموذج الإقطاعي الذي ينتمي إلى نظام فاسد تخلصنا منه إلى الأبد؟ أليس في مجتمعنا الاشتراكي من النماذج الفاسدة ما هو أولى بمحاربته والسخرية منه؟ أليس هناك البيروقراطي والانتهازي والمنافق والمدعي والسلبي ... إلخ؟ هذه الأسئلة وأمثالها تصدر عن حسن نية لا شك فيه، ولكنها تدل على شيء من التعجل وقلة الصبر لا يجب أن نستسلم له، فمسرحية كبونتيلا وتابعه ماتي ستظل محتفظة بأهميتها وعصريتها حتى بعد أن يزول الإقطاع من على ظهر الأرض كلها، والمتفرج سيظل يتمتع بها ، سواء كان من بلد اشتراكية أو رأسمالية؛ ذلك لأن الإنسان لا يتعلم من كفاحه فحسب، بل يتعلم كذلك من تاريخ هذا الكفاح. ورواسب الماضي لا تزول من النفوس بمجرد صدور قانون، بل قد تظل عالقة بها أجيالا وراء أجيال. وقد ينسى الناس الإقطاعي ويطردونه إلى الأبد من حياتهم، ولكنهم قد لا يتخلصون من عقليته وأخلاقه ونظرته للأمور قبل مرور سنين طويلة. وإذا كانوا قد تغلبوا على هذا «الوحش المنقرض»، واستطاعوا أن يقيدوه بالسلاسل في بلدهم، فهناك بلاد أخرى وأناس آخرون من حقهم أن يستفيدوا بكفاحهم ويتعلموا منه. أضف إلى ذلك كله شيئا يتصل بالعمل الفني نفسه كعمل فني؛ فهو لا بد أن يجمع بين عنصرين في آن واحد: المحلية والعالمية، والزمنية والخلود. فإذا فرضنا أن بونتيلا الإقطاعي المرتبط بزمان ومكان معين قد اختفى من أماكن كثيرة من العالم، وأنه سائر حتما إلى الفناء في أكثر من مكان فلا بد أن يبقى بونتيلا نموذج الإنسان المتقلب بين الخير والشر والضعف والقوة والرحمة والقسوة والإنسانية والوحشية. ولا شك أن هذا النموذج سيبقى ما بقي على الأرض إنسان يعطف أو يقسو على أخيه الإنسان.
2
السيد بونتيلا وتابعه ماتي
(كتبها برشت في الفترة التي لجأ فيها إلى فنلندا في عام 1940 عن قصص وتخطيط مسرحي للكاتبة الفنلندية هيلا فوليوكي.)
شخصيات المسرحية
بونتيلا:
إقطاعي، يمتلك ضيعة «بونتيلا» في لامي.
إيفا بونتيلا:
ابنته.
Page inconnue