أبسط نمط من أنماط الحياة الإجتماعية.
وقد كانت الحياة العربية آنذاك من هذا القبيل ، فكل مجموعة من العوائل المترابطة نسبيا تتجمع في شكل قبيلة ، وتشكل بذلك مجتمعا صغيرا يخضع فيه الجميع لأوامر رئيس القبيلة وزعيمها ، ولقد كان الجامع بين افراد القبيلة هو الرابطة القومية ، والوشيجة النسبية ، وكانت هذه القبائل تختلف في عاداتها ورسومها ، وتقاليدها وأعرافها ، اختلافا كبيرا ، وإذ كانت كل قبيلة تعتبر القبائل الاخرى غريبة عنها لذلك كانت لا تقيم للآخرين وزنا ولا قيمة ، ولا تعترف لهم باي حق أو حرمة.
ولهذا كانت ترى الإغارة على الآخرين وقتلهم ، ونهب أموالهم ، وسلب ممتلكاتهم وسبي نسائهم من حقوقها القانونية المشروعة ، اللهم إلا أن يكون بين القبيلة ، والقبيلة الاخرى حلف أو معاهدة.
هذا من جانب.
ومن جانب آخر كانت القبيلة التي تتعرض للإغارة من جانب قبيلة اخرى ترى من حقها أن ترد الصاع صاعين ، تقتل كل أفراد القبيلة المغيرة ، لأن الدم في نظرهم لا يغسله الا الدم!!!
ولقد تبدلت أخلاقية العرب هذه بعد انضوائهم تحت لواء الإسلام الحنيف ، بل تحولوا من نمط الحكومة القبلية المتخلفة والنظام العشائري الضيق هذا ، إلى حكومة عالمية ، واستطاع رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ان يؤلف من القبائل العربية المتفرقة امة واحدة.
ولا شك أن تأليف امة واحدة من قبائل وجماعات اعتادت طوال سنين مديدة من التاريخ على التناحر والتنازع ، والتخاصم والتقاتل ، والتهاجم والإغارة في ما بينها ، واستمرأت سفك الدماء ، وإزهاق الارواح ، وذلك في مدة قصيرة ، عمل عظيم جدا ، ومعجزة اجتماعية لا نظير لها ، لأن مثل هذا التحول العظيم إذا اريد له أن يتم عبر التحولات والتطورات العادية لاحتاج إلى تربية طويلة الامد ، ووسائل لا تحصى كثرة.
Page 84