سبحانه على هذه المقالة بقوله تعالى : « وأحل الله البيع وحرم الربا » (1) ففي البيع والشراء يتساوى الطرفان في تحمل الضرر المحتمل ، بينما لا يتضرر المرابي في النظام الربوي أبدا وإنما يلحق الضرر بمعطي الربا دائما ، ولهذا تنمو المؤسسات الربوية ، ويعظم رصيدها ، وثروتها يوما بعد يوم فيما يزداد الطرف الآخر بؤسا وفقرا ، ولا يحصل من جهوده المضنية إلا على ما يسد جوعته ، ويقيم اوده ، لا اكثر ، كل ذلك نتيجة لهذا الاسلوب الاقتصادي غير العادل.
صور من الوضع الجاهلي
ما قدمناه كان أبرز المفاسد الاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اشار اليها القرآن الكريم ، وأما التاريخ فمليء بالصور والقصص التي تحكي عن تردي حالة العرب الجاهلية وسقوطها الفضيع في قعر الفساد في جميع المناحي والجهات.
واليك في ما يلي نماذج وصور معدودة تكفي للوقوف على الحالة العامة في ذلك المجتمع نقتبسها لك من أصح المصادر واوثقها :
وها نحن نقدم قصة « أسعد بن زرارة » التي تسلط الضوء على ما كان عليه الوضع الجاهلي في اكثر مناطق الحجاز ، فقد قدم « أسعد بن زرارة » و « ذكوان بن عبد قيس » وهما من الأوس وكان بين الاوس والخزرج حرب قد بقوا فيها دهرا طويلا ، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم « يوم بعاث » وقد انتصر فيها الأوس على الخزرج مكة في عمرة رجب يسألون الحلف على الاوس ، وكان اسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه فقال : انه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم ، فقال له عتبة : إن لنا شغلا لا نتفرغ لشيء. قال سعد : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟ قال له عتبة : خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله سفه أحلامنا ، وسب آلهتنا وأفسد
Page 50