حوادثه في ذلك المكان التاريخي ، العجيب.
ويتحدث ذلك الغار هو الآخر اليهم بلسان الحال ويقول : هاهنا المكان الذي كان يتعبد فيه عزيز قريش وفتاها الصادق الامين.
وهاهنا قضى ليالي وأياما عديدة وطويلة قبل ان يبلغ مرتبة الرسالة ، في عبادة الله ، والتأمل في الكون ، وفي آثار قدرة الله وعظمته.
أجل ، لقد اختار محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذلك المكان البعيد عن ضجيج الحياة ، للعبادة والتحنث ، فكان يمضي جميع الايام من شهر رمضان فيه ، وربما لجا إليه في غير هذا الشهر أحيانا اخرى ، إلى درجة أن زوجته الوفية كانت إذا لم يرجع إلى منزلها ، تعرف أنه قد ذهب إلى « غار حراء » وأنه هناك مشتغل بالعبادة والتحنث والاعتكاف ، وكانت كلما أرسلت إليه أحدا وجده في ذلك المكان مستغرقا في التأمل والتفكير ، أو مشتغلا بالعبادة والتحنث.
لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبلغ مقام النبوة ، ويبعث بالرسالة يفكر اكثر شيء في أمرين :
1 كان يفكر في ملكوت السماوات والارض ، ويرى في ملامح كل واحد من الكائنات التي يشاهدها نور الخالق العظيم ، وقدرته ، وعظمته وعلمه ، وقد كانت تفتح عليه من هذا السبيل نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور الالهي المقدس.
2 كان يفكر في المسؤولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله.
إن اصلاح المجتمع في ذلك اليوم على ما كان عليه من فساد عريق وانحطاط عريض ، لم يكن في نظره وتقديره بالامر المحال الممتنع . ولكن تطبيق مثل هذا البرنامج الاصلاحي لم يكن في نفس الوقت أمرا خاليا من العناء والمشاكل ، من هنا كان يفكر طويلا في الفساد في حياة المجتمع المكي وما يراه من ترف قريش ، وكيفية رفع كل ذلك واصلاحه.
لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم حزينا لما يرى من قومه من فساد العقيدة المتمثل في الخضوع للأوثان الميتة ، والعبادة للأصنام الخاوية الباطلة ، ولطالما
Page 320