315

حوادثه في ذلك المكان التاريخي ، العجيب.

ويتحدث ذلك الغار هو الآخر اليهم بلسان الحال ويقول : هاهنا المكان الذي كان يتعبد فيه عزيز قريش وفتاها الصادق الامين.

وهاهنا قضى ليالي وأياما عديدة وطويلة قبل ان يبلغ مرتبة الرسالة ، في عبادة الله ، والتأمل في الكون ، وفي آثار قدرة الله وعظمته.

أجل ، لقد اختار محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذلك المكان البعيد عن ضجيج الحياة ، للعبادة والتحنث ، فكان يمضي جميع الايام من شهر رمضان فيه ، وربما لجا إليه في غير هذا الشهر أحيانا اخرى ، إلى درجة أن زوجته الوفية كانت إذا لم يرجع إلى منزلها ، تعرف أنه قد ذهب إلى « غار حراء » وأنه هناك مشتغل بالعبادة والتحنث والاعتكاف ، وكانت كلما أرسلت إليه أحدا وجده في ذلك المكان مستغرقا في التأمل والتفكير ، أو مشتغلا بالعبادة والتحنث.

لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبلغ مقام النبوة ، ويبعث بالرسالة يفكر اكثر شيء في أمرين :

1 كان يفكر في ملكوت السماوات والارض ، ويرى في ملامح كل واحد من الكائنات التي يشاهدها نور الخالق العظيم ، وقدرته ، وعظمته وعلمه ، وقد كانت تفتح عليه من هذا السبيل نوافذ من الغيب تحمل إلى قلبه وعقله النور الالهي المقدس.

2 كان يفكر في المسؤولية الثقيلة التي ستوضع على كاهله.

إن اصلاح المجتمع في ذلك اليوم على ما كان عليه من فساد عريق وانحطاط عريض ، لم يكن في نظره وتقديره بالامر المحال الممتنع . ولكن تطبيق مثل هذا البرنامج الاصلاحي لم يكن في نفس الوقت أمرا خاليا من العناء والمشاكل ، من هنا كان يفكر طويلا في الفساد في حياة المجتمع المكي وما يراه من ترف قريش ، وكيفية رفع كل ذلك واصلاحه.

لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم حزينا لما يرى من قومه من فساد العقيدة المتمثل في الخضوع للأوثان الميتة ، والعبادة للأصنام الخاوية الباطلة ، ولطالما

Page 320