ما أظهره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تعاليم رفيعة سامية بعد 28 عاما ، واستطاع بها أن يحيي بها تلك الامة الميتة قد تلقاها من الراهب « بحيرا » في هذه السفرة. ويقولون : إن « محمدا » بما تمتع به من قوة ذاكرة ، وصفاء نفس ودقة فكر ، وعظمة روح وهبته اياها يد القدر ، أخذ من الراهب « بحيرا » في لقائه به ، قصص الانبياء السالفين والاقوام البائدة مثل عاد وثمود ، وكثيرا من تعاليمه الحيوية.
ولا ريب في أن هذا الكلام ليس سوى تصور خيالي لا يتلاءم ولا ينسجم مع حياته صلى الله عليه وآله وسلم بل وتكذبه الموازين العقلية ، واليك بعض الشواهد على هذا :
1 لقد كان « محمد » صلى الله عليه وآله وسلم باجماع المؤرخين اميا ، لم يتعلم القراءة والكتابة ، وكان عند سفره إلى الشام ، ولقائه ب « بحيرا » لم يتجاوز ربيعه الثاني عشر بعد ، فهل يصدق العقل والحال هذه أن يستطيع صبي لم يدرس ولم يتعلم القراءة والكتابة ولم يتجاوز ربيعه الثاني عشر ان يستوعب تلك الحقائق من « التوراة » و « الإنجيل » ، ثم يعرضها في سن الاربعين على الناس بعنوان الوحي الالهي والشريعة السماوية؟!
إن مثل هذا الأمر خارج عن الموازين العادية ، بل ربما يكون من الامور المستحيلة لو أخذنا بنظر الاعتبار حجم الإستعداد البشري.
2 إن مدة هذا اللقاء كان اقل بكثير من أن يستطيع محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مثل تلك الفترة الزمنية القصيرة أن يستوعب « التوراة » و « الانجيل » ، لأن هذه الرحلة كانت رحلة تجارية ولم يستغرق الذهاب والاياب والاقامة اكثر من أربعة أشهر ، لأن قريشا كانت تقوم في كل سنة برحلتين ، في الصيف إلى « الشام » ، وفي الشتاء إلى « اليمن » ، ومع هذا لا يظن أن تكون الرحلة برمتها قد استغرقت اكثر من اربعة أشهر ، ولا يستطيع اكبر علماء العالم واذكاهم من أن يستوعب في مثل هذه المدة القصيرة جدا محتويات ذينك الكتابين ، فضلا عن صبي لم يدرس ، ولم يتعلم القراءة والكتابة من احد.
Page 233