المتقدم وفيه الآمر بغسل آنية أهل الكتاب معللا ذلك بأنهم يطبخون فيها لحم الخنزير ويشربون فيها الخمر وقد قدمنا أن إيجاب الغسل لإزالة ما يحرم أكله وشربه لا لكونه نجسا فإن ذلك حكم آخر غير مقصود للشارع وعلى تقدير الاحتمال تنزلا فلا ينتهض المحتمل للاحتجاج به على محل النزاع.
قوله: "والكافر"
أقول: استدلوا بقوله تعالي: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨] وهذا الدليل فيه التصريح بأنهم نجس ولكنه ورد ما يدل على أن هذه النجاسة ليست النجاسة الحسية بل النجاسة الحكمية ومن ذلك أنه ﷺ لما أنزل ثقيف المسجد قيل يا رسول الله أتنزلهم المسجد وهم أنجاس فقال ﷺ: "ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما أنجاس القوم على أنفسهم". ومن ذلك ما ثبت في الصحيح من أمره ﷺ لأصحابه أن يشربوا وتوضؤا من مزادة المشركة.
ومن ذلك أكله ﷺ لطعام المشركين وتسويغه لوطء المشركات المسبيات قبل إسلامهن وغير ذلك.
وورد في أهل الكتاب خاصة ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ ونزل القرآن بحل نكاح نسائهم.
وأما الاستدلال بحديث أبي ثعلبة من أمره ﷺ بغسل آنيتهم فقد تقدم أن ذلك لأجل أنهم يشربون فيها الخمر ويطبخون فيها الخنازير وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم وقد أخرج أحمد وابو دأود من حديث جابر قال كنا نغزو مع رسول الله ﷺ فنصيب من آنية المشركين واسقيتهم فنستمتع بها ولا يعيب ذلك عليهم.
قوله: "وبائن من حي ذي دم حلته حياة غالبا".
أقول: استدلوا بقوله ﷺ: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة". أخرجه أحمد وأبوا دأود والترمذي [أحمد "٥/٢١٨"، أبودأود "٢٨٥٨"، الترمذي "١٤٨٠"]، والدارمي والحاكم من حديث أبي واقد مرفوعا وأخرجه ابن ماجه والبزار والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر وأخرجه الطبراني من طرق أخرى عن ابن عمر وفيها عاصم بن عمر وهو ضعيف وأخرجه ابن ماجه والطبراني وابن عدي من حديث تميم الداري وإسناده ضعيف وأخرجه الحاكم عن أبي سعيد قال في البدر المنير هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الأحكام وهو مروي من طرق أربع انتهى.
أقول: وبمجموعها ينتهض الحديث للاحتجاج ولكن غاية ما فيه أن ذلك البائن من الحي هو ميتة أي محرم أكله وأما أنه نجس فليس في الحديث ما يدل على ذلك وسيأتي الحديث على نجاسة الميتة.
واحترز بقوله: "غالبا" عما أبين من السمك والجراد لحديث "أحل لكم ميتتان السمك والجراد" [أحمد "٢/٩٧"، ابن ماجة "٣٣١٤"]، وإذا حلت ميتتهما بجميع أجزائها حل ميتة بعضهما.
1 / 27