وكان أيضا يعرف أن معظم أوامره تخالف الدين، فأمر لذلك بمنع الناس من دروس الفقه وشروح القرآن، وقضى بأن تحرق هذه الكتب أو تلقى في ماء النيل.
هذه هي تعاليم المهدي، ولم يترك حجرا إلا قلبه لكي ينفذ أوامره. وكان في الظاهر يبدو للناس أنه يحافظ كل المحافظة على لزوم تعاليمه، ولكنه كان هو وخلفاؤه وقرابته إذا دخلوا منازلهم استسلموا للنهم في الطعام والشراب وللهو وضروب اللذات الشهوانية المنتشرة في السودان.
الفصل الحادي عشر
حكم الخليفة عبد الله
لم يحدث شيء ذو أهمية في دارفور منذ أن غادرتها، فإن خالد درزريك كان قد أرسخ حكم المهدي في المديرية بأجمعها، وبعث الأمراء والجيوش لكي يقوي حكم المهدي في جميع الأنحاء. وقد تظاهر ضابطي القديم عمر واد دارهو بالولاء للنظام الجديد، ولكنه عند وفاة المهدي قام في ذهنه أن يستقل، فكاد له خالد حتى أوقع به، وحمل إلى دارفور حيث قطع رأسه.
وكان أبو أنجة في كردوفان، وكانت هذه المديرية قد خضعت كلها للمهدي ما عدا الجزء الجنوبي فيها، وأرضه جبلية، فاعتبر أهل هذا الجزء عبيدا لم يدفعوا الجزية وطلب منهم الهجرة إلى أم درمان.
ولما لم يجيبوا هذا الطلب، دعي أبو أنجة إلى إخضاعهم وإلى احتلال بلادهم بجيشه وإجبارهم على تموينه وإرسال عدد منهم عبيدا إلى المهدي، وتمكن أبو أنجة بعد أن فقد مقدارا كبيرا من الذخيرة وعددا عظيما من رجاله من القيام بجميع ما أمر به تقريبا، وكان السودان الغربي باستثناء هذا الجزء الصغير منه خاضعا لسلطة المهدي من حدود وادي النيل إلى الأبيض.
أما في السودان الشرقي فقد ثبتت سنار وكسلة ودافعت كل منهما المهديين. ولما علمت الحكومة المصرية بالحالة الخطرة التي بات فيها الجنود في الحاميات الشرقية، أرسلت إلى يوحنا ملك الحبشة تستنجد به لكي ينقذ حاميات القلابات وجبرة وسنهيت وكسلة وينقلهم إلى مصوع، ولكن حاكم كسلة صرح بأن الحامية مؤلفة من أولاد البلدة، فهو لذلك لا يمكنهم أن يجعلهم يتركون بلدتهم إلى مصوع.
وأرسل المهدي كلا من إدريس واد عبد الرحيم وحسين واد صحرا بالأمداد لكي يعجلا بإسقاط المدينة، وفي هذه الأثناء كان الملك يوحنا قد أنقذ حاميات سنهيت وجبرة والقلابات وأرسلهم إلى مصوع، وصار العرب المقيمون في المثلث بين سواكن وبربر وكسلة من أتباع المهدي الخاضعين له، وكان عثمان دجنة قد انتخب واليا على هذا القسم، وأرسل محمد الخير إلى دنقلة لكي يحتلها بعد خروج الإنجليز منها.
هذه إذن هي حالة السودان عند تولي الخليفة، ومن هنا نفهم السبب الذي دعاه إلى أن يحث القبائل العربية الغربية على الاتحاد؛ لأنهم أغراب في البلاد التي يحتلونها؛ فإنه كان يعرف أن «أولاد البلد» من برابرة وجعالين وسكان الجزيرة لا يستمرئون قدوم هؤلاء العرب الغربيين الذين يختلفون عنهم في الأفكار والأخلاق إلى بلادهم.
Page inconnue