فقلت: «هذه الأوامر لا تنطبق علي، فأنا كنت منذ برهة عند مولاي الخليفة فأمرني أن أزور هذا الغريب، فأكرر عليك أن تعامله معاملة حسنة.»
ثم عدت إلى أوليفيه بان وحاولت أن أدخل السرور في قلبه، وأخبرته بأن الخليفة قد منع الناس من مخالطته، وأن هذا الأمر في مصلحته؛ لأن اختلاطهم به قد يؤدي إلى أن يدسوا له عنده ويوقعوا به، أما أنا فإني أزوره كلما سنحت الفرصة.
وفي اليوم التالي قرع طبل الخليفة إيذانا باستئناف السير، وكانت عادتنا أن نسير من الصباح إلى الظهر ولذلك كان سيرنا بطيئا. وكنا عندما نقف أذهب إلى الفرنسي فأجده قاعدا في خيمته كالعادة، وكانت صحته جيدة ولكنه كان يشكو من سوء الطعام. وقال زكي بعد أن سمع هذه الشكوى إنه أحضر إليه العصيدة فلم يذقها، فأوضحت له أنه غريب لم يألف بعد الطبخ السوداني، واقترحت عليه أن أجعل خادمي يهيئ له طبقا من الحساء وآخر من الرز، وسألني الخليفة في تلك الليلة: هل رأيت أوليفيه بان؟ فأخبرته بأني قابلته وأني وجدته صائما لا يستطيع أن يأكل العصيدة، فجعلت خادمي يهيئ له طعاما لئلا يمرض؛ ولذلك أرجوه أن يسمح لي بذلك، فوافق الخليفة ولكنه قال: «ولكنك أنت تأكل من طعامنا فيحسن به أن يعتاد هذا الطعام في أقرب وقت، ثم أين مصطفى «كلوتز» فإني لم أره منذ بارحنا رهاد؟»
فقلت: «إنه عندي يساعد الخدم على العناية بالخيول والجمال.»
فقال الخليفة: «اطلبه الآن» ففعلت، وجاء بعد برهة صغيرة ووقف أمامنا، فقال له الخليفة: «أين كنت؟ إني لم أرك منذ أسابيع، هل نسيت أني مولاك؟»
فقال كلوتز في لهجة التأفف: «لقد ذهبت إلى عبد القادر بإذنك، وأنت لا تعنى بي وقد تركتني وحدي.»
فقال الخليفة وهو غاضب: «سأعنى بك في المستقبل.» ثم هتف بأحد الملازمين وطلب منه أن يخبر كاتبه ابن نجا بأن يضع مصطفى في الأغلال، وخرج مصطفى وهو لا ينبس بكلمة.
ثم قال الخليفة: «إن عند مصطفى وعندك ما يكفيكما من الخدم، فيمكنك أن تستغني عنه، وقد كنت اختصصت به ولكنه تركني بدون سبب، فأمرته بأن يلزم أخي يعقوب ولكنه تركه أيضا، والآن عندما ذهب إليك قام في ذهنه أنه يمكنه أن يستغني عنا جميعا.»
فقلت: «اعف عنه فإن الرحيم يعفو ، ائذن له بالبقاء مع أخيك فلعل هذا يصلحه.»
فقال: «يجب أن يبقى مصفدا عدة أيام حتى يعرف أني مولاه وهو ليس مثلك، فأنت تأتي إلي كل يوم.»
Page inconnue