فقلت: «معلهش اللي عمره طويل بيشوف كتير.»
وأخذنا كلنا نفكر ونتأمل كل في حاله ننتظر مجيء الخليفة، وبعد مدة عاد إلينا وأمرنا بالوضوء استعدادا للصلاة مع المهدي، فتوضأنا وذهبنا إلى مكان الصلاة ووجدنا عددا عظيما من الناس كلهم يبالغون ويهولون في شأن هذا الغريب الفرنسي.
ولما أخذ كل منا مكانه جلس أوليفيه بان في الصف الثاني. وجاء المهدي عندئذ وكانت جبته نقية معطرة، وعمامته قد رتبت طياتها ترتيبا يفوق المعتاد، وعيناه مكحلتين لهما بريق شديد، وكان يبدو عليه أنه عني عناية كبيرة لكي يؤثر بهيئته في الناس، ولا شك في أنه شعر بالسرور والزهو لرؤيته رجلا يأتيه من بلاد بعيدة يعرض عليه المعاونة.
وقعد على سجادة وطلب أوليفيه بان وحياه بابتسامة ولكنه لم يصافحه، ثم أذن له بالقعود وسأله عن سبب مجيئه، وكنت أنا المترجم بينهما.
وأعاد أوليفيه بان حكايته فطلب مني المهدي أن أترجم أقواله بصوت عال يسمعه جميع الحاضرين، ولما انتهيت قال هو أيضا بصوت عال: «لقد سمعت أقوالك وفهمت مقاصدك، ولكني لا أعتمد على معونة الناس وإنما أعتمد على الله ورسوله، فإن أمتك غير مؤمنة ولا يمكنني أن أعقد محالفة بيني وبين أمة غير مؤمنة، وبمعونة الله سنهزم أعداءنا ونظفر بهم بواسطة الأنصار والملائكة الذين يبعثهم إلينا النبي.»
وعلا الهتاف من آلاف المجتمعين عند سماعهم هذا الكلام، ولما عاد النظام والسكون قال المهدي: «تقول إنك تحب الإسلام وتعترف أنه حق فهل تؤمن به؟ وهل أنت مسلم؟»
فقال الفرنسي: «أجل، إني مسلم، لا إله إلا الله محمد رسول الله.»
فمد المهدي يده فقبلها، ولكنه لم يطالبه بيمين الولاء، ثم جاء ميعاد الصلاة فنظمت الصفوف وقضينا الصلاة، ثم وعظنا المهدي وشرح لنا الزهد في الدنيا وكيفية النجاء، وخرجنا مع الخليفة الذي أشار علي بأن آخذ أوليفيه بان معي إلى عشتي وأنتظر أوامره.
وخلا كل منا إلى الآخر فتحادثنا مليا لا نخاف شيئا، وكنت أكره المهمة التي جاء من أجلها، ولكن أيضا كنت أتحسر عليه لجهله، فأعدت عليه التحية ورحبت به وقلت له: «والآن ياعزيزي أوليفيه بان نحن هنا وحدنا لن يزعجنا أحد فلنتكلم بصراحة، ولو أني لا أوافق على مهمتك، ولكن أؤكد لك بأني سأعمل كل ما في استطاعتي للمحافظة عليك، لقد عشت أنا هنا جملة سنوات بعيدا عن المدنية، فأخبرني عما يحدث الآن في العالم.»
فقال لي: «إني أثق بك كل الثقة، وأعرف اسمك وأحمد المقادير التي جمعتني بك، وهناك عدة أشياء تهمك معرفتها، ولكن أقصر كلامي الآن على مصر.»
Page inconnue