فقد تقرر أن أهل البلد المذكور إن أمكنهم إظهار دينهم وأمنوا الفتنة ولم يرجوا نصرة المسلمين استحب لهم الهجرة، وإن أمكنهم الاعتزال وإظهار الدين والذب عن أنفسهم وجب عليهم المقام، وإن لم يمكنهم إظهار دينهم أو خافوا فتنة في دينهم وجبت عليهم الهجرة إن أطاقوها، وهذا حاصل الكلام في أهل البلد المذكور، ويعلم منه إن وجبت عليه الهجرة أثم بالإقامة، ومن لم تجب عليه لا إثم عليه بالإقامة، ومن لا إثم عليه فإيمانه كامل إن أتى بأمور الإيمان، ومن أثم بالمقام فإيمانه ناقص وإن أتى بأمور الإيمان، ويعلم من ذلك أن التفاوت معلوم بحسب الحب والبغض القلبيين، والممتثل لأمرهم بغير إكراه ولا استضعاف عاص، ومن امتثل إكراها وقلبه كاره فهو غير آثم، فحكم الإكراه على ما دون الكفر، حكم الإكراه على الكفر، نعم من أكره وهو قادر على الهجرة عصى لأنه هو الذي أعانهم بالمقام بين أظهرهم والله أعلم، ومن حكم عليه بغير الشريعة المحمدية إن كان يلزم عليه تحليل حرام أو تحريم حلال شرعا فلا يجوز له قبوله، ولا امتثاله، وعليه رد ذلك وكراهته إلا إن يكره عليه بما يسمى إكراها شرعا، وإن حكم عليه بما يوافق الشريعة المحمدية قبل ضرورة وليس له أن يمتهن نفسه بتعريضها لأحكامهم وهو يقدر على الهجرة، وإلا كان في ذلك إذلالا للدين، والله يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] .
السؤال السادس:
قال السائل: وما قولكم في نفرين سمعا أن الهجرة إلى بلاد المسلمين والسكنى بها يتلفان المال، وأن السكنى في بلاد الكفار لا تتلف المال، إنما تتلف الدين .. فاختار أحدهما السفر إلى بلاد المسلمين وآثر التلف للمال على بقاء دينه، والثاني سافر إلى بلاد الكفار وآثر تلف الدين على المال، ما قولكم في إيمان هذين؟ وكيف إيمانهما؟ وهل يأثم من سمى هذا الشخص الذي سافر إلى بلاد الكفر منافقا؟
جواب السؤال السادس :
Page 16