La Chasse des Pensées
صيد الخاطر
Maison d'édition
دار القلم
Numéro d'édition
الأولى
Lieu d'édition
دمشق
المطالبة بالتفريط، ويؤاخذون الحس بما مضى من العيوب، فتجري عيون الندم، وتنعقد عزائم الاستدراك.
ولو أن هذه النفس خلت عن المعهودات التي وصفتها، لتشاغلت بخدمة بارئها، ولو وقعت في سورة حبة١، لاستوحشت عن الكل شغلًا بقربة، ولهذا اعتمد الزهاد الخلوات، وتشاغلوا بقطع المعوقات، وعلى قدر مجاهدتهم في ذلك نالوا من الخدمة مرادهم، كما أن الحصاد على مقدار البذر.
١٨٣- غير أني تلمحت في هذه الحالة دقيقة، وهو أن النفس لو دامت لها اليقظة، لوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها، وهو العجب بحالها، والاحتقار لجنسها٢! وربما ترقت بقوة علمها وعرفانها إلى دعوى قولها: "لي، وعندي، واستحق ... " فتركها في حومة٣ ذنوبها تتخبط، فإذا وقفت على الشاطيء، قامت بحق ذلة العبودية، [وذلك] أولى لها.
هذا حكم الغالب من الخلق، ولذلك شغلوا عن هذا المقام، فمن بذر، فصلح له، فلا بد له من هفوة تراقبها عين الخوف من عقابها رفقًا بها، تصح له عبوديته، وتسلم له عبادته، وإلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح: "لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم"٤.
١ سورة الحب: شدته. ٢ عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه: العجب" رواه البزار الكشف "٣٦٣٣" بإسناد جيد كما قال المنذري في الترغيب "٤٣٠٧". ٣ حومة: الساحة. ٤ رواه مسلم "٢٧٤٩" عن أبي هريرة ﵁.
٣٤- فصل: ما يفعله جهلة المتزهدين
١٨٤- تفكرت، فرأيت أن حفظ المال من المتعين، وما يسميه جهلة المتزهدين توكلًا -من إخراج ما في اليد- ليس بالمشروع! فإن النبي ﷺ قال لكعب بن مالك: "أمسك عليك بعض مالك" ١، أو كما قال له. وقال لسعد: "لأن
١ رواه البخاري "٤٦٧٦"، ومسلم "٢٧٦٩" عن كعب بن مالك ﵁.
1 / 74