بقيت ساعات مطولة، أفكر وأحلم وأنا أحضر العشاء لهيروكي، ذلك العشاء الذي سأزف إليه فيه خبر حملي. في أثناء ذلك جلبت كل كواشف الحمل الباقية لدي، وصرت أجري الاختبار ذاته كل نصف ساعة، كنت أستمتع برؤية ظهور الخط الثاني الذي لطالما حلمت أن أرى ظهوره، وفي كل مرة كانت ابتسامة لا نهائية تظهر على وجهي وأضحك وأصرخ بكل سعادتي «أنا حامل».
وضعت له نتيجة اختبار الحمل في هدية، وأتى هيروكي، لم يفهم ما يدور حوله وما سبب هذا الاحتفال، حين فتح هيروكي الهدية رأيت تعابير وجهه تتغير من الفرح إلى الارتباك، ثم إلى الغضب، قال وبحدة: لقد ظننت أننا ناقشنا الموضوع، ظننت أنك تخليت عن الفكرة، ماذا عن صحتك؟ ماذا عن الخطر الذي سيواجهك أنت وهذا الطفل أيضا، ماذا عنه؟ هل سيكون بخير؟ هل سيستطيع النجاة؟!
أنهى كلامه، ومضى من غير أن يشعر بما فعله بي.
ساي
لا يوجد شيء مثالي في هذه الحياة، لا حب مثالي ولا رجل مثالي ولا حياة مثالية، ولكننا نأبى إلا أن نحلم بالمثالية ونظن أننا سوف نصل لها في مرحلة من مراحل العمر، ويمضي العمر ولا نستطيع الوصول لها. لقد ظننت في وقت ما أن علاقتي بهيروكي هي علاقة مثالية، هي ما يجب أن تكون عليه باقي العلاقات، ظننت أن هيروكي هو الرجل المثالي والكامل في هذا الكون، وبعد ردة فعل هيروكي اتجاه الطفل أيقنت أن عالم أفلاطون الذي خلقته في عقلي هو عالم باطل من الأصل. لا يعني هذا أن حبي لهيروكي تناقص، أبدا، ولكن بدأت أراه بعين الواقع وأحبه بعين الواقع لا بعين المثالية.
المشكلة تكمن أن الفرق كان واضحا بيننا في تقبل الطفل، فغلب على هيروكي تفكيره العقلاني الذي أخبره بأنه سيعرضني للخطر، نظرا لعمري أولا، ولبنية جسدي الضعيفة ثانيا، وبرأيه إن مضى الحمل على خير ولم أتعرض فيه للخطر فسيحصل الخطر عند الولادة أو بعدها، ثم إنه ومع العمر المتقدم لنا، خشي هيروكي من تشوهات ترافق الجنين، لم يستطع تقبل فكرة طفل مشوه أو مريض، أو بالأحرى لم يرغب في طفل مريض، لم يرغب أن يعرض نفسه لموقف كهذا، فأن تصبح أبا فهي لا شك مسئولية كبيرة، ولكن أن تصبح أبا لطفل مريض فهي المسئولية الأعظم والامتحان القاسي الذي سيبين أي أب أنت.
على الطرف الآخر كنت قد درست وفهمت كل الاحتمالات واستطعت تقبلها جميعا، فأنا راضية ومتقبلة لجميع الأمور التي من الممكن أن يعاني منها الطفل، حتى قررت أني لن أجري الاختبار الذي يكشف عن تشوهات الجنين المبكرة. لم أقتنع بأسباب هيروكي للتخلي عن الطفل ولم أر مبررا لخوفه وقلقه الزائد، وقررت الاحتفاظ بالطفل.
مرت عدة أسابيع والحال كما هو، أنا بمزاج سيئ بسبب ردة فعل هيروكي اتجاه الحمل، بت لا أحتمل أي كلمة منه، وأتهرب من وجودي معه في غرفة واحدة، فأنا لا أريد أن يناقشني في موضوع الإجهاض. أصبحت أتظاهر بالنوم صباحا قبل ذهابه للعمل، وأتظاهر بالتعب والإرهاق ليلا. لكنه استسلم لرغبتي في النهاية، فأنا أعلم أنه ضعيف أمامي، وأعلم أن هيروكي فخور بهذا الضعف، ضعيف أمام ضعفي، ضعيف أمام دموعي، أمام طلباتي، لم يكن هيروكي ذاك الرجل القاسي الذي يعتبر مصدر رجولته ينبع من كسر قرارات أنثاه. لكنه بالمقابل، لم يستطع أن يقول لي مبارك، فهو يشعر بالقلق الشديد حيال هذا الأمر ويرى أنه لن يمضي على خير بتاتا، فقد كان وجهي شاحبا طيلة الوقت، لا أستطيع الأكل جيدا، وإن أكلت فسأفرغ معدتي حالا بعد عدة دقائق. مزاجي معكر أغلب الأحيان، ولا أستطيع التركيز على شيء إطلاقا.
نظم هيروكي لي عدة مواعيد مع أطباء لفحص حالتي بانتظام وفحص الجنين، وكنت أرفض الذهاب معه، لم أكن أود أن أسمع خبرا سيئا أو قرارا مرهقا لي، ففضلت تجاهل تلك الأمور في الوقت الراهن إلى أن تمر أسابيع أكثر من الحمل.
هيروكي
Page inconnue