العالم الجديد جديد في كل شيء؛ اختباره واعتقاده وعمله وأسلوبه وحريته، ولكن ليس فيه الأنانية التي تظنون.
تضحكين من أمريكا لأنها تبعث باحتياجاتها يمنة ويسرة. وأنا أضحك. صحيح إني لا أريد أن أكون في موقف الدكتور ولسن في هذه الأيام. إن هذا الرجل المسكين لا يدري على أي رجل يرقص بين عشرة ملايين من الأمريكان الألمان المحتجين في أذنه اليمنى، وباقي ملايين الأمة المحتجة في أذنه اليسرى، هذا مع حالة المكسيك الحاضرة التي تكاد تشتعل اشتعالا.
أمريكا رغما عن شعبها الألماني الأصل تجاهر بميلها إلى الحلفاء بلا خوف ولا تردد، لا أعني الحكومة بل الشعب. هناك أمر لا يحتمله أمريكاني حر ربي على فكر الحرية وشرب لبنها كما شربه من قبله آباؤه، وهو مهاجمة بلجيكا وغزوتها. هذا لن نغفره لألمانيا قط.
قولي هذا للدكتور شميل إذا شئت، واسأليه ألا يصدق كل ما يكتبه عنا كتاب فرنسا وإنجلترا، كما أني لا أصدق شيئا مما يكتب عن الشرق والشرقيين. قولي له ذلك واهديه احترامي.
ها أنا قلت ذلك للدكتور وأهديتك احترامه مشفوعا باحترامي، يا سيدي الدكتور. أفعل ذلك مترقبة بعض صواعقك عربية كانت أم فرنجية، فقد أوحشتنا كثيرا نارها العذبة.
الأفكار القديمة ومراسل الآنسة مي
نقلت جريدة «الأخبار» فقرة من هذه الرسالة، فأرسل أحد القراء إلى الجريدة الاعتراض التالي:
مكاتب حضرة الآنسة مي الذي نشرت الأخبار شيئا من كلامه نقلا عن المحروسة. لا نعرف منه سوى أنه «مسرور من وجود مثل الدكتور شميل في الشرق؛ لأن هذا الرجل لازم لهدم الأفكار القديمة التي يتقبلها الناس بلا بحث ولا جدال ... إلخ»، فنهنئ حضرة الدكتور بهذه الحظوة، ولكنا نأخذ على حضرة الكاتب خوضه في مثل هذا الموضوع الخطير بكلام خيالي شعري هو من الإبهام بحيث لا يفيد إلا التضليل وامتهان النفس بأشرف عاطفة فيها.
تدل القرائن على أن حضرة الكاتب يريد «بالأفكار القديمة» العقائد الدينية كالإيمان بإله كامل سرمدي ... إلخ، مثلا مما تخضع له العقول على سموه وعجزها عن فهم كنهه، فمثل هذه الأفكار - على قدميتها - ثابت على أقوى الأسس والبراهين التي طالما احتك بها المتفلسفون وصقلتها الأجيال فلم تزدها إلا إرهاقا.
وإنا - وايم الحق - لنستغرب من الكاتب امتعاضه من تلك «الأفكار» ورميه ذويها بالجهل والتعاسة، وافتتانه بالآراء الحديثة وادعاءه لها أرجحية الثبوت والوضوح. ونحن نرى العلماء يتنازعون فيها ولا يزالون ينقضون اليوم ما بنوا أمس، على حين نراهم هم أنفسهم يزدادون كل يوم تمسكا بتلك الأفكار التي يدعوها حضرة الكاتب قديمة، ويجاهرون مفاخرين بتمسكهم بها كنيوتون وأراجو وباستور وأمبير وغيرهم كثيرون ممن يحسبون أئمة في العلوم.
Page inconnue