وساد صمت متوتر أليم تلاقت فيه الأعين وافترقت. ثم شهقت المرأة شهقة عصبية وهتفت بي: كيف هان عليك أن تسلم جثة زوجك للنيابة؟
ووخزني ألم عميق فكادت تنهار قواي؛ ولكني غطيت على الألم بغضب مفتعل وصحت بعنف قائلا: يهون علي ذلك ألا تضيع حياتها هدرا!
وفغر الطبيب فاه ليقول شيئا؛ ولكن الجرس دق بقوة هلعت لها القلوب، فمضيت إلى الباب وفتحته، فبدا شرطي ابتدرني قائلا: هل توجد في هذه الشقة المرحومة حرم كامل أفندي رؤبة الموظف بالحربية؟
فأجبته بالإيجاب، فتنحى الرجل جانبا وهو يقول: «سعادة الطبيب الشرعي!» ودخل رجل ربعة يحمل حقيبة طبية، وتبعه الشرطي على الأثر، وصادف الطبيب الشرعي الدكتور أمين في مواجهته فسأله: هل حضرتك الزوج الذي بلغ النيابة؟
فقلت له وأنا أغلق الباب: أنا الزوج يا بك، وهذا هو الدكتور الذي أجرى العملية.
وردد الطبيب عينيه بيننا في دهشة، وجرت على شفتيه ابتسامة خفيفة، ثم سأل الدكتور أمين قائلا: أي عملية كانت؟
فقال الدكتور أمين بصوت منخفض: عملية في البروتون! - وما سبب الوفاة؟ - حدث ثقب في البروتون نتيجة خطأ خارج عن إرادتي.
وقلت عند ذاك في انفعال شديد موجها خطابي للطبيب الشرعي: اسأله يا سعادة الطبيب عما جعله يجري عملية جراحية وهو ليس جراحا!
فتردد الرجل لحظات ثم قال بصوت مرتفع: لقد جئت لمهمة أخرى. أين الجثة من فضلكم؟
وكانت نازلي هانم واقفة بمكانها على كثب من باب الصالة الكبرى تردد عينيها المحمرتين في وجوهنا في صمت وذهول، فلما أن سمعت الطبيب يسأل عن مكان الجثة ندت عنها آهة وهتفت بلا وعي قائلة: هذا لن يكون أبدا!
Page inconnue