وإنما أظن أن أحق الناس بأن يغبط على عيشته. ويبارك له في حرفته ومهنته. إنما هو الحارث الذي يسعى لنفع نفسه ولغيره فيما يحرثه. فيكسب به صحة بدنه ومؤونة عياله وذلك خير ما يبرئه. وأن زوجه تراوحه على عمله وترفق به في عسره وعطله. أن مرض مرضته بنفسها وقامت بأمر مربعه. وإن غاب رعت له ذمة وباتت تنتظر وشك ورجعه. هذا والتعب يستطيب طعامه. ويسحلي نيامه. إلا ترى أن أولاد ذوي السعي والكد. أصبح أبدانا وأذكى فهما من أولاد ذوي الترفه والجد. وما ذلك إلا لأنهم يرقدون عن نعاس ويأكلون عن جوع ويشربون عن ظمأ. فأجابه أقرب من وليه. إن فيما قلت لنظرا. فأنك لم تر الصورة إلا من جهة واحدة وفاتتك الجهة الأخرى. فلعمري أن الحارث مع كد بدنه. أسير همه وشجنه. وضجيع قلقه وحزنه. إذ هو عبد الناصر. ورقيق الحوادث والأكابر. أن عصفت ريح خشبي على ثمره أن يتساقط فيسقط قلبه معه. وأن كثر المطر أو قل وجل من أن يتلف ما زرعه. وإن مات كبير في بلده. أشفق من كساد ما تحت يده وإن يكن ذا بصيرة وجحى. ساءه ما يرى أهله فيه من العرى والوجى. والذل والاستكانة. والابتئاس والمهانة. وتحسرهم على الطيب من المأكول والناعم من الملبوس. وعلى كونه لا يحسن تربية ولده كما يشاء. ولا يمكنه رؤية بلد غير الذي فيه نشا. فهو مهده وقبره وسجنه وحجره. ومع ذلك فهو غرض لأغراض إمامه في الدين. وعصا يتوكأ عليها منهو فوقه من المثرين. والسائدين والمسيطرين. فما يكاد يتخلص من ورطة أحدهما إلا ويقع في شرك الآخر. ولا يفوته شر إلا واستقبله شر أكبر. وهو مع إِصره وجهله. لا يجد مخلصا له ولا لأهله. ولو أنه رام أن ينهج لأهله منهجا ارتضاه لنفسه واستصوبه. ولم يك على وفق مرام إِمامه وأميرة أو آخر ذي مرتبة. لم يأمن غرامة منهما أو حسم عرتبة. أو قصم رقبة. ولم يلبث إن يرى أصحابه له أعداء واخدانه ألداء. فهو على هذا رهين الخضوع. وأسير القنوع. فقال قرين له. وقد صدق على ما فصله. نعم إن هذا لهو الحق الواضح. وما بعد الرق ذل فاضح.
1 / 27