125

فقال ريازانتزيف وهو يدنو منها: «إن سيدتي غاضبة ... لياليتشكا!»

ومنح شعرها العطر البليل قبلة خفيفة، فأحست كأن شيئا يذوب في صدرها ويتحلل وأقبلت عليه وهي لا تدري ما تصنع وطوقت عنق حبيبها القوي بذراعيها وأمطرته وابلا من اللثمات وهي تقول بينها: «إني مستاءة جدا جدا منك ... أنت رجل شرير.»

وكانت في خلال ذلك تقول لنفسها أن ليس في الأمر بعد كل ما يقال سوء لا سبيل إلى إصلاحه كما حسبت من قبل، وماذا يهم؟ إن كل ما تريده هو أن تحب هذا الرجل الكبير الجميل وأن يحبها.

ولما جلسا بعد ذلك إلى المائدة آلمها من أخيها نظرة إليها مستغربة وما سنحت لها الفرصة حتى أسرت إليه: «إن هذا مني فظيع وأنا أعرف ذلك.»

فلم يزد على أن ابتسم ابتسامة مجتواة.

وكان يوري في الواقع قد سره أن الأمر انتهى على هذا الحال الحسن، وإن كان على هذا قد ذهب يدعي استنكار هذا التسامح العامي واحتقاره، فانسحب إلى غرفته ومكث بها وحده إلى المساء.

ولما آذنت الشمس بالمغيب ورأى السماء صافية احتمل بندقيته على نية الذهاب للصيد في حيث صاد هو وريازانتزيف أمس.

وكان المطر قد أكسب هذه البركة حياة جديدة، فكان المرء يسمع أصواتا غريبة كثيرة والحشائش تترنح كأنما تحركها قوة حيوية خفية والضفادع تنقنق جماعات، والطيور من حين إلى حين ترسل أصواتا حادة متنافرة، والبط يصيح بين الأعشاب والأكلاء البليلة على مقربة من يوري وإن كان أبعد من مدى بندقيته. ولم يحس الرغبة في الصيد فاحتمل بندقيته وانثنى آيبا يصغى إلى أصوات الصفاء البلوري في الغسق الساكن ثم قال: «ما أجمل هذا، كل شيء جميل إلا الإنسان فهو وضيع.»

وأخذت عينه النار موقدة على بعد في حقل البطيخ، ولما اقترب عرف في ضوئها وجهي كوسما وسانين فاستغرب ونزعت نفسه إلى استطلاع السر «ولماذا يدأب على المجيء إلى هنا؟»

وكان كوسما جالسا إلى جانب النار يقص حكاية وهو يضحك ويومئ وسانين يضحك كذلك، وكان لهيب النار خفيفا كلسان الشمعة ورديا لا أحمر قانيا كما يكون في ظلمة الليل. وفي قبة السماء الزرقاء طلائع النجوم تتوامض، وفي الجو رائحة الجدة غب المطر وشذى النبات المطلول.

Page inconnue