في بعض الأكوان، كان التمدد والسكون النهائي يتبعان بالانكماش وأشكال جديدة تماما من النشاط الفيزيائي. في بعض الأحيان، مثلا، كانت اللاجاذبية تحل محل الجاذبية. إن جميع الكتل الكبيرة من المادة كانت تميل للانشطار، في حين كانت تهرب الكتل الصغيرة مبتعدة بعضها عن بعض. وفي مثل ذلك النوع من الأكوان، كان قانون الإنتروبيا ينعكس أيضا. فكانت الطاقة بدلا من أن تتوزع تدريجيا وعلى نحو متساو في جميع أنحاء الكون، تتراكم تدريجيا على الوحدات المادية النهائية. وقد شككت بمرور الوقت أن كوني قد تبع بكون معكوس من هذا النوع، والذي تكون فيه طبيعة الكائنات الحية بالطبع مختلفة بشدة عن كل ما يستطيع الإنسان أن يتخيله. غير أن ذلك انحراف عن السرد؛ إذ إنني أصف الآن أكوانا أبسط كثيرا قد جاءت في مرحلة مبكرة للغاية. كانت العديد من الأكوان سائلا مستمرا متدفقا تسبح فيه الكائنات الصلبة. وقد صمم بعضها الآخر على هيئة سلسلة من الدوائر المتحدة المركز، التي تسكنها أنواع متعددة من الكائنات. وقد كانت بعض الأكوان المبكرة نسبيا أكوانا شبه فلكية تتألف من فراغ يتناثر فيه عدد قليل للغاية من مراكز القوى صغيرة الحجم.
في بعض الأحيان، كان صانع النجوم يصوغ كونا ليس له أي طبيعة فيزيائية موضوعية واحدة. ولا يكون لمخلوقاته أي تأثير لبعضها على بعض على الإطلاق، وإنما يتصور كل من الكائنات، بفعل التحفيز المباشر من صانع النجوم، عالما فيزيائيا وهميا لكنه جدير بالثقة ونافع، ويكون هذا العالم خاصا به، وهو يسكنه كائنات من نسج خياله. كانت هذه العوالم الذاتية التي تمثل العبقرية الرياضية لصانع النجوم مترابطة على نحو منهجي بصورة مثالية.
لا ينبغي بي أن أستفيض أكثر من ذلك في ذكر التنوع الهائل في الأشكال الفيزيائية التي اتخذتها الأكوان الأولى. يكفي القول أن كل كون، بوجه عام، كان أكثر تعقيدا وعلى نحو ما أكثر ضخامة مما سبقه؛ إذ كانت الوحدات الفيزيائية النهائية في كل من هذه الأكوان تصير أصغر مقارنة بالمجموع، وأكثر عددا. كذلك، كانت الكائنات الفردية الواعية في كل منها بوجه عام تزداد في العدد والتنوع، وكان الأكثر تيقظا منها في كل كون يصل إلى عقلية أصفى من جميع الكائنات في الأكوان السابقة.
كانت الأكوان الأولى شديدة التنوع بيولوجيا ونفسيا. في بعض الحالات، كان هناك تطور بيولوجي مثل ذلك الذي نعرفه. تتطور أقلية صغيرة من الأنواع على نحو غير ثابت باتجاه امتلاك قدر أكبر من الفردية والوضوح الذهني. وفي بعض الأكوان الأخرى، كانت الأنواع ثابتة من الناحية البيولوجية، وإذا شهدت تقدما فإنه يكون ثقافيا خالصا. وفي بضعة من الأكوان الأكثر إلغازا، كان الكون يبلغ أقصى حالات اليقظة في البداية، وبهدوء، كان صانع النجوم يشاهد هذا الوعي الصافي وهو يتداعى.
في بعض الأحيان، كان الكون يبدأ بوصفه كائنا بدائيا مفردا ذا بيئة داخلية غير عضوية. وكان يتكاثر بعد ذلك بالانشطار إلى مجموعة متزايدة من الكائنات متزايدة الصغر ومتزايدة التفرد واليقظة. في بعض هذه الأكوان، كان التطور يستمر إلى أن تصبح الكائنات صغيرة للغاية بما لا يسمح بتكيفها مع تعقيد التركيب العضوي الضروري للعقول الذكية. وكان صانع النجوم حينها يشاهد هذه المجتمعات الكونية وهي تسعى باستماتة لتجنب ما قدر على سلالاتها من تداع.
في بعض الأكوان، كان الإنجاز الأهم هو وجود مزيج من المجتمعات التي لا يفهم أحدها الآخر والتي يتفانى كل منها في خدمة جانب واحد من جوانب الروح ويعادي كل ما سواه. وقد تحققت الذروة في بعض هذه الأكوان في صورة مجتمع طوباوي واحد يتكون من عقول مختلفة، وفي البعض الآخر في صورة عقل كوني مركب واحد.
في بعض الأحيان، كان يسر صانع النجوم أن يقضي بأن تكون جميع الكائنات في كون ما تمثيلا حتميا لتأثير البيئة على أسلافها وعليها. وفي بعض الأكوان الأخرى، كانت الكائنات تتمتع ببعض القدرة على الاختيار العشوائي، وبنزر يسير من إبداع صانع النجوم نفسه. كان هذا هو ما بدا لي في حلمي، لكن حتى في حلمي كنت أشك أن الأمر كان سيبدو لملاحظ أكثر دقة على أن كلا من النوعين مسير في حقيقة الأمر، ومع ذلك تلقائي ومبدع أيضا.
في معظم الأحوال، كان صانع النجوم بمجرد أن يسن المبادئ العامة لكون ما ويخلق حالته الأولية، يكتفي بمشاهدة ما يحدث بعد ذلك، لكنه كان يختار التدخل أحيانا إما بخرق أحد قوانين الطبيعة التي كان هو نفسه قد وضعها، أو بوضع مبادئ تكوينية جديدة ناشئة، أو بالتأثير في عقول مخلوقاته من خلال الوحي المباشر. وفقا لحلمي، كان الهدف من هذا التدخل في بعض الأحيان هو تحسين أحد التصميمات الكونية، غير أن الأغلب أن هذه التدخلات تكون موجودة في خطته الأصلية . في بعض الأحيان، كان صانع النجوم يطرح مخلوقات هي في حقيقة الأمر مجموعات من عدة أكوان مترابطة عبارة عن أنظمة فيزيائية من أنواع مختلفة للغاية، لكنها تترابط من خلال حقيقة أن الكائنات كانت تعيش حيواتها على نحو متتابع في كون تلو الآخر، وتتخذ في كل موطن طبيعي بنية فيزيائية أصلية، لكنها تحمل معها في تناسخها ذكريات خافتة ويسهل تحريفها لحالات وجودها السابقة. كان مبدأ التناسخ هذا يستخدم بطريقة مختلفة أيضا في بعض الأحيان؛ فحتى الأكوان التي لم تكن مترابطة بتلك الطريقة المنهجية كان يمكن أن توجد بها كائنات تحاكي ذهنيا على نحو غامض لكنه ملح خبرة نظائرها من الكائنات التي تعيش في كون آخر أو طبعها.
ثمة خط درامي للغاية قد استخدم في كون تلو الآخر. لقد ذكرت قبل ذلك أنه قد بدا في حلمي أن صانع النجوم غير الناضج قد بدا مبتهجا على نحو شيطاني بالفشل المأساوي لأولى تجاربه البيولوجية. وفي العديد من الأكوان التالية أيضا قد بدا مزدوج الرأي؛ فكلما فشلت خطته الإبداعية الواعية بفعل إحدى القدرات الكامنة غير المتوقعة في المادة التي جسدها من أعماق لا وعيه، بدا أن مزاجه لا يتضمن الإحباط فحسب، بل الرضا المندهش أيضا، وكأن ثمة شغفا خفيا قد أشبع على نحو غير متوقع. وقد أدت هذه الازدواجية في الرأي بعد فترة من الوقت إلى ظهور نمط جديد من الخلق. لقد أتت مرحلة في نمو صانع النجوم، مثلما بدا لي في حلمي، قد سعى فيها لأن يفصل نفسه إلى روحين مستقلتين؛ إحداهما روحه الجوهرية التي كانت تسعى إلى الخلق الإيجابي لقوالب روحانية وحيوية ووعي متزايد الصفاء على الدوام، أما الروح الأخرى فهي الروح المتمردة التدميرية الساخرة التي لا يمكن أن يكون لها أي وجود إلا على شكل طفيل لتتطفل على أعمال الروح الأخرى.
راح صانع النجوم يفصل بين هاتين النزعتين في نفسه مرارا وتكرارا، ويجسدهما بصفتهما روحين مستقلتين، وسمح لهما بأن يتصارعا في أحد الأكوان على السيادة. كان هذا الكون يتألف من ثلاثة عوالم مترابطة ويذكرنا بعض الشيء بالمعتقد المسيحي. كان أول هذه العوالم الثلاثة المترابطة مأهولا بأجيال من الكائنات التي تتمتع بدرجات متفاوتة من التعقل والذكاء والنزاهة الأخلاقية. هنا كانت الروحان تتصارعان على أرواح الكائنات. كانت الروح «الخيرة» تعظ وتساعد وتكافئ وتعاقب، وكانت الروح «الشريرة» تخادع وتغوي وتحطم الأخلاق. عند الموت، ذهبت الكائنات إلى أحد العالمين الآخرين، واللذين كانا يمثلان نعيما أبديا وجحيما أبديا. وهناك كانت هذه الكائنات تختبر لحظة أبدية تتمثل في نشوة الإدراك والعبادة أو في عذاب الندم الشديد.
Page inconnue