Une boîte trop petite pour les rêves
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
Genres
يبحث بين الوجوه عن مرسلها، يقلب فيها عن إمضاء أو علامة تكشف كاتبها، وحينما تتكتم يحاول تجاهلها، فيفاجئه شبح يأتيه مرة من خلف هذا العمود، أو من بين تلك الستائر المخملية، ثم يطل برأسه من تجاويف الحواجز المبطنة.
يتلعثم، تتقطع كلماته، يتخلى عن رابطة عنقه الحريرية، وعيناه معلقتان بهذا الخط وبشبح كاتبه. يستجدي الكلمات؛ لعلها تفضح صاحبها، فتطل عليه بسخرية وكأنها تبرز له لسانها.
تباغته حشرجة، فيسارعون إليه بكوب ماء، تتبعثر قطراته كطفل. يحاول استعادة الثبات، وإزاحة قطرات حرجه بمنديله، ثم يعيده لعناقه مع جيبه الأمامي. يطارده الشبح مرة أخرى، يفرك عينيه من خلف نظارته الثمينة، لكن ذلك لا يمنع تناسخ شبحه بعدد حضور قاعته.
تستبد أسئلته بعقله، يلمح ثرثرة بين مقاعد الإعلاميين، فيشك أن أحدهم احتال على النظام الذي وضعه لمنع تباهي الصحفيين المخبولين بجدلهم، بضبط إيقاع الأسئلة بالاتفاق مع مندوبي الصحف الرئيسية، أو إرسالها مكتوبة إلى منصته.
يداعبه شبحه تلك المرة مرتديا وجوها لموظفين تجاوزهم نفاقا، ودهسهم بقاطرة طموحاته وصعوده. أحدهم وشى بإحدى محادثاته الشخصية عن مديره، فنال هو ترقية استثنائية، ونظرة عتاب من ضحيته قبل مغادرته الأخيرة للمبنى، وثان دس تقريرا عنه، وآخر دبر له فضيحة فساد أخلاقي.
عادت أشباحه لهيئتها الأولى، ولكن رافعة شعارات رنانة اعتاد عليها ماضيا، حتى ثبت عطبها، فخلفها في ركن قصي من عقله وقلبه، وعليها لافتة «منتهي الصلاحية».
تعيد له الورقة دهشة مرسومة على وجوه أصدقائه القدامى، وأسئلتهم حول وظيفته الجديدة. توقفوا كثيرا أمام مسماها، «بائع كلام»! هكذا قال بلا مواربة، هو خريج كلية التجارة الذي عمل بالتجارة حينا، فباع كثيرا من البضائع، وآخرها الكلام، و«كله تجارة، والتجارة شطارة». هكذا سوغ لهم اقتحامه هذا المجال الجديد.
سألوه يومها عن متطلبات وظيفته، فأجاب بأريحية يفتقدها الآن: كالتجارة؛ كلام معسول، ووجه واثق، وقدرة على التسويغ المستمر. ولا تنسوا البذلة، والشياكة، حتى الحذاء اللامع. وكتب في التنمية البشرية تستحضر عناوينها في حديثك، ولا داعي لقراءتها، فيمكنك البحث عن ملخصات لها، أو حتى قراءة أغلفتها الخلفية.
يتخيل الآن وجوههم وهم يتابعونه على شاشات التلفاز وكل تلك الميكروفونات تملأ منضدته، فيقنع نفسه بأن الغيرة دفعت أحدهم لاقتحام حضوره بهذه الورقة اللعينة.
وقع أسيرا لغيابات توقعاته، تخلى عن ثباته، فحاول أن ينهي المؤتمر، وأن يعود إلى مكتبه، فاتسعت الهوة أمامه، واختفت الدرجات المخملية من تحت قدميه.
Page inconnue